وَتَبَايَعُوهَا، فَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ رَأْيَهُ الرُّخْصَةُ فِيهَا.
قَالَ: فَالْعُلَمَاءُ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَكُلُّهُمْ إِمَامٌ إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْكَرَاهَةِ أَكْثَرُ وَالْحُجَّةَ فِي مَذْهَبِهِمْ أَبْيَنُ.
وَقَدِ احْتَجَّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الرُّخْصَةِ بِإِقْطَاعِ عُثْمَانَ مَنْ أَقْطَعَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّوَادِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَرْضِ الْمُغَلَّةِ الَّتِي يَلْزَمُهَا الْخَرَاجُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَزَارِعِ وَالشَّجَرِ، فَأَمَّا الْمَسَاكِنُ وَالدُّورُ بِأَرْضِ السَّوَادِ فَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا كَرِهَ شِرَاءَهَا وَحِيَازَتَهَا وَسُكْنَاهَا، وَقَدِ اقْتُسِمَتِ الْكُوفَةُ خِطَطًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَذِنَ فِي ذَلِكَ، وَنَزَلَهَا مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِجَالٌ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٌ وَحُذَيْفَةُ وَسَلْمَانُ وَخَبَّابٌ وَأَبُو مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ قَدِمَهَا عَلِيٌّ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَأَقَامَ بِهَا خِلَافَتَهُ كُلَّهَا، ثُمَّ كَانَ التَّابِعُونَ بَعْدُ بِهَا فَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْهُمُ ارْتَابَ بِهَا وَلَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْهَا شَيْءٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ السَّوَادِ.