يَقُلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» " بَلْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكُتُبَ وَالشَّرَائِعَ الْعِظَامَ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْمَجُوسِ - مَعَ أَنَّهَا أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمَمِ شَوْكَةً وَعَدَدًا وَبَأْسًا - كِتَابًا وَلَا نَبِيًّا، وَلَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بَلِ الْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا أُخِذَتْ مِنْ عُبَّادِ النِّيرَانِ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ؟
فَإِنْ قِيلَ: فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ مَعَ كَثْرَةِ قِتَالِهِ لَهُمْ.
قِيلَ: أَجَلْ وَذَلِكَ لِأَنَّ آيَةَ الْجِزْيَةِ إِنَّمَا نَزَلَتْ عَامَ " تَبُوكَ " فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ وَلَمْ يَبْقَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْجِزْيَةِ أَخَذَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ بَقِيَ عَلَى كُفْرِهِ مِنَ النَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَلِهَذَا لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَا مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ لِأَنَّهُ صَالَحَهُمْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجِزْيَةِ.