رضي الله عنه أن يقطع عنه النفقة لمشاركته في نشر تلك القصة التي لا أساس لها من الصحة، ولكن الله عز وجل عرض على أبي بكر العفو والصفح مقابل مغفرة الله فأجاب أبو بكر رضي الله عنه واستمر على ما كان يدفعه إلى مسطح بن أثاثِة ولا شك أن المعصية التعرض لحرم رسول الله ? ولمكانة أبي بكر رضي الله عنه خاصة من أقرب الناس إليه حيث كان مسطح ابن خالة أبي بكر، ولكن لما كان المجني عليه في نفسه بتلك الواقعة قد ثبت له الحق في ذلك، فهو يملك العفو عمن ظلم، والإحسان إلى من أساء، وهذه من أخلاق الصديقين، لذلك عفا عنه وأحسن إليه أبو بكر رضي الله عنه وهذا يدل على أن الإحسان إلى من ظلمك أيها الإنسان مشروع وأنت عليه مأجور، فقد روى
أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ? قال: «ما نقصت صدقة من مال،
وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، وهذا في غير مسألة الحد الشرعي.
وبهذا تعلم أنه إذا كانت المعصية والجناية تتعلق بحقك الشخصي أو بحق من لك الولاية عليه فإن لك العفو والمسامحة عن ذلك.
لماذا الفاسق أو المبتدع مشروع هجره إيجابياً ولا يُشرع هجر الكافر ابتداءً، وهو أشد جُرمًا من أهل المعاصي؟
الجواب: أن الهجران على نوعين: هجران يكون بالقلب، وهجران يكون باللسان والجوارح، فهجران الكافر بالقلب وهو هجران بغض وعداوة، بترك التودد إليه والتعاون والتناصر معه، ولا سيما إذا كان حربيًا، ولم يُشرع هجرانه تعزيراً بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره، وإن كان لا يستحب بدؤهم بالسلام، بخلاف العاصي المسلم، فإنه ينزجر ويشعر بالخطيئة والخجل، عند مقاطعته وهجرانه، ويشترك كل من الكافر والعاصي بجواز المكالمة لغرض الدعوة إلى الله والتزام طاعته، وإنما المنهي عنه في حقهما المكالمة بالموادة مع المعصية والكفر وتمسكهما في ذلك باستثناء الزوجة الكتابية والوالدين طبعاً.
يُقال أن الجلوس مع الفساق إيناساً لهم صغيرة من صغائر الذنوب ولو كانت في غير معصية، فهل هناك دليل على ذلك؟
فإن ما ذكر من أن الجلوس مع الفساق إيناساً لهم إلى آخره لا نعلم صحته ولا دليله إلا أن مجالسة أهل الفسق عموماً منهي عنها ما لم يكن هناك مصلحة راجحة وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال) إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة). وعلى هذا فإن مجالسة غير المتدين إن كانت تجر إلى منكر أو محظور شرعي فهي مضرة يجب تركها، ولا يخفى على المسلم بأن الله تعالى خلق الإنسان مدنياً بطبعه، يميل لمخالطة الناس ومجالستهم، ويتأثر بهم ويؤثر فيهم، فالطبع لص والصاحب ساحب، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتحرى في اختيار الصحبة، ونهانا صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر