ففي هذا الحديث بيان أن العبد لا يراها (إذا كان عليه وفاء) (?)، إنما ذلك فيه من حيث دليل خطابه، قال: "إذا كان عند مكاتب إحداكن وفاء"، دلَّ على أنَّه إذا لم يكن كذلك لا يحجب.
قلنا: ذلك ليس من دليل خطابه، بل من المنطوق به، وذلك أن قوله -عَلَيْهِ السَّلَامْ-: "اضرب دونه الحجاب" لا يصح أن يقال إلا في مَن كان غير محجوب، فلو كان مَن لا وفاء عنده محجوبًا، كما يقدر مَن يبطل دليل الخطاب ما صح أن يقال: "إذا كان عنده وفاء فاحجبوه"، وإنما يقال ذلك فيمن كان غير محجوب.
ويضاف إلى هذا فهم أم سلمة -رضي الله عنها-، فإنها كانت مبدية له إلى أن علمت بأن عنده وفاء بما عليه، فهي ببدوّها له حاملة لقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَاتْ أَيْمَنُهُنَّ} [النور: 31] على العبيد، إلا أنها أخبرت بمخصص عندها ورد على ذلك المطلق فقيَّده، وهو قوله: "إذا كان عند مكاتب إحداكن وفاء فلتحتجب منه" (?)، أقام وجدان الوفاء بما عليه مقام الأداء، فرتّب عليه وجوب الإحتجاب عنه.
ويتأكَّد هذا بما علمناه من أن أم سلمة -رضي الله عنها- مستندة في هذا المعنى متحرجة فيه، حتى لقد أنكرت على عائشة دخول الغلام الأيفع عليها، مع أنها تتلو قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَوِ الْطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ الْنِّسَاءِ} [النور: 31]، وسنبين معنى إنكارها ذلك وما دار بينها وبين عائشة فيه إن شاء الله تعالى، إذا ذكرنا بدوّ المرأة للأطفال. وقد كانت -رضي الله عنها- قيل لها ولميمونة: "أفعمياوان أنتما؟! " (?)،