عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى جَنَّتِهِ وَرِضْوَانِهِ. فَلَيْسَ إذًا فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ مِنْ قِبَلِهِمْ وَلَا أَخْذِ الْعَطَاءِ مِنْهُمْ دَلَالَةٌ عَلَى تَوْلِيَتِهِمْ وَاعْتِقَادِ إمَامَتِهِمْ.
وَرُبَّمَا احْتَجَّ بَعْضُ أَغْبِيَاءِ الرُّفَضَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فِي رَدِّ إمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ; لِأَنَّهُمَا كَانَا ظَالِمَيْنِ حِينَ كَانَا مُشْرِكَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا جَهْلٌ مُفْرِطٌ; لِأَنَّ هَذِهِ السِّمَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ مَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الظُّلْمِ، فَأَمَّا التَّائِبُ مِنْهُ فَهَذِهِ السِّمَةُ زَائِلَةٌ عَنْهُ، فَلَا جَائِزَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ; لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ فَزَالَتْ الصِّفَةُ زَالَ الْحُكْمُ، وَصِفَةُ الظُّلْمِ صِفَةُ ذَمٍّ، فَإِنَّمَا يَلْحَقُهُ مَا دَامَ مُقِيمًا عَلَيْهِ، فَإِذَا زَالَ عَنْهُ زَالَتْ الصِّفَةِ عَنْهُ; كَذَلِكَ يَزُولُ عَنْهُ الْحُكْمُ الَّذِي عَلِقَ بِهِ مِنْ نَفْيِ نَيْلِ الْعَهْدِ فِي قوله تعالى: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود: 113] إنَّمَا هُوَ نَهْيٌ عَنْ الرُّكُونِ إلَيْهِمْ مَا أَقَامُوا عَلَى الظُّلْمِ؟ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] إنَّمَا هُوَ مَا أَقَامُوا عَلَى الإحسان فقوله: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} لَمْ يَنْفِ بِهِ الْعَهْدَ عَمَّنْ تَابَ عَنْ ظُلْمِهِ; لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُسَمَّى ظَالِمًا كَمَا لَا يُسَمَّى مَوْسُومًا مَنْ تَابَ مِنْ الْكُفْرِ كَافِرًا. وَمَنْ تَابَ مِنْ الْفِسْقِ فَاسِقًا، وَإِنَّمَا يُقَال: كَانَ كَافِرًا، وَكَانَ فَاسِقًا، وَكَانَ ظَالِمًا; وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: لَا يَنَالُ عَهْدِي مَنْ كَانَ ظَالِمًا وَإِنَّمَا نَفَى ذَلِكَ عَمَّنْ كَانَ مَوْسُومًا بِسِمَةِ الظَّالِم، وَالِاسْمُ لَازِمٌ لَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ. قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} أَمَّا الْبَيْتُ فَإِنَّهُ يُرِيدُ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْبَيْتِ مُطْلَقًا لِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَيْهِ; إذْ كَانَا يَدْخُلَانِ لِتَعْرِيفِ الْمَعْهُودِ أَوْ الْجِنْسِ، وَقَدْ عَلِمَ الْمُخَاطَبُونَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْجِنْسَ، فَانْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْكَعْبَةُ، وقوله: {مَثَابَةً لِلنَّاسِ} رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَثُوبُونَ إلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ: أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ أَحَدٌ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ قَضَى وَطَرًا مِنْهُ، فَهُمْ يَعُودُونَ إلَيْهِ، وَقِيلَ فِيهِ: إنَّهُمْ يَحُجُّونَ إلَيْهِ فَيُثَابُونَ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَصْلُهُ مِنْ ثَابَ يَثُوبُ مَثَابَةً وَثَوَابًا: إذَا رَجَعَ; قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا أَدْخَلَ الْهَاءَ عَلَيْهِ لِلْمُبَالَغَةِ لَمَّا كَثُرَ مَنْ يَثُوبُ إلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ: نَسَّابَةٌ وَعَلَّامَةٌ وَسَيَّارَةٌ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ كَمَا قِيلَ الْمَقَامَةُ وَالْمَقَامُ. وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لَمَا تَأَوَّلَهُ السَّلَفُ مِنْ رُجُوعِ النَّاسِ إلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ، وَمِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ يُحِبُّ الْعَوْدَ إلَيْهِ وَمِنْ أَنَّهُمْ يَحُجُّونَ إلَيْهِ فَيُثَابُونَ; فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ذَلِكَ كُلَّهُ. وَيَشْهَدُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُمْ يُحِبُّونَ الْعَوْدَ إلَيْهِ بَعْدَ الِانْصِرَافِ قَوْله تَعَالَى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37] وَقَدْ نَصَّ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى فِعْلِ الطَّوَافِ; إذْ كَانَ الْبَيْتُ