{فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} يجوز أن يكون منسوخا بقوله تعالى: {ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: جَعَلَ أَبُو يُوسُفَ الْوَصِيَّ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَالْمُضَارِبِ فِي جَوَازِ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِهِ فِي السَّفَرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ: "وَمَنْ كَانَ لَهُ يَتِيمٌ فَخَلَطَ نَفَقَتَهُ بِمَالِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي يُصِيبُ الْيَتِيمَ أَكْثَرَ مِمَّا يُصِيبُ وَلِيَّهُ مِنْ نَفَقَتِهِ فَلَا بَأْسَ, وَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ لِلْيَتِيمِ فَلَا يَخْلِطُهُ" وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. وَقَالَ الْمُعَافَى عَنْ الثَّوْرِيِّ: "يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يَأْكُلَ طَعَامَ الْيَتِيمِ وَيُكَافِئَهُ عَلَيْهِ"; وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ مَالِهِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: "لَا يُعْجِبْنِي أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ مَالِهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْيَتِيمِ فِيهِ ضَرَرٌ, نَحْوُ اللَّوْحِ يَكْتُبُ فِيهِ". وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: "يَسْتَقْرِضُ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ ثُمَّ يَقْضِيهِ, وَيَأْكُلُ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِيهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالصَّبِيِّ".

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} [النساء: 10] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} [النساء: 127] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَهَذِهِ الْآيُ مُحْكَمَةٌ حَاظِرَةٌ لِمَالِ الْيَتِيمِ عَلَى وَلِيِّهِ فِي حَالِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ, وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} مُتَشَابِهٌ مُحْتَمِلٌ لِلْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا; فَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِهَا حَمْلُهَا عَلَى مُوَافَقَةِ الْآيِ الْمُحْكَمَةِ, وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى مَالِ الْيَتِيمِ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِرَدِّ الْمُتَشَابِهِ إلَى الْمُحْكَمِ وَنَهَانَا عَنْ اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ لَهُ إلَى الْمُحْكَمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] وَتَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ مَالِ الْيَتِيمِ قَرْضًا أَوْ غَيْرَ قَرْضٍ مُخَالِفٌ لِمَعْنَى الْمُحْكَمِ, وَمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ رَدَّهُ إلَى الْمُحْكَمِ وَحَمَلَهُ عَلَى مَعْنَاهُ فَهُوَ أَوْلَى. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ: قَوْله تَعَالَى {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} مَنْسُوخٌ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ عَطِيَّةَ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي تَلِيهَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} . وَرَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ. وَرَوَى عِيسَى بْنُ عُبَيْدِ الْكِنْدِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْن مُزَاحِمٍ فِي قَوْله تعالى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015