وَأَمَّا السُّنَّةُ فَثَبَتَ بِرِوَايَةِ الْأَئِمَّةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ؛ فَإِذَا أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يَتَصَدَّقَ سَبَغَتْ وَوَفَرَتْ حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتُعَفِّيَ أَثَرَهُ، وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ تَقَلَّصَتْ وَلَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، فَهُوَ يُوَسِّعُ وَلَا تُوَسَّعُ». وَهَذَا مِنْ الْأَمْثَالِ الْبَدِيعَةِ، بَيَانُهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْمُخْتَارِ الصَّحِيحِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَعِيدٌ لِمَانِعِهَا، وَالْوَعِيدُ الْمُقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَلَى حَسَبِ اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ؛ وَهَذَا الْوَعِيدُ بِالْعِقَابِ مُفَسَّرٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ مَالٍ لَا يُؤَدَّى زَكَاتُهُ إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يَأْخُذُهُ بِشِدْقَيْهِ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180] إلَى آخِرِهَا. وَهَذَا نَصٌّ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ.
أَمَّا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ يَدْخُلُ فِي الْآيَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا مَنَعَ وَاجِبًا مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ فَاسْتَحَقَّ الْعِقَابَ فَمَنْعُهُ وَقَطْعُهُ لِمُوجَبِ الشَّرِيعَةِ وَمُبَلِّغِهَا، وَشَارِحِهَا أَوْلَى بِوُجُوبِ الْعِقَابِ وَتَضْعِيفِهِ.
وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: