الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: إذَا ثَبَتَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْغَنِيمَةِ، فَمَنْ غَصَبَ مِنْهَا شَيْئًا أُدِّبَ، فَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً أَوْ سَرَقَ نِصَابًا فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، فَرَأَى جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، مِنْهُمْ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا وَكَانَ سَهْمُهُ كَالْمُشْتَرَكِ الْمُعَيَّنِ. قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ ظَاهِرٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ بَيْتُ الْمَالِ، وَقَدْ مَنَعَ بَيْتُ الْمَالِ، وَقَالَ: لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ يُقْطَعُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: إنَّ حَظَّهُ فِي الْمَغْنَمِ يُورَثُ عَنْهُ وَحَظَّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا يُورَثُ عَنْهُ، وَهِيَ مُشْكِلَةٌ بَيَّنَّاهَا فِي الْإِنْصَافِ.
ِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180] فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ مَانِعُو الزَّكَاةَ. الثَّانِي: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، بَخِلُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ خَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِفَتِهِ؛ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْبُخْلُ مَنْعُ الْوَاجِبِ، وَالشُّحُّ مَنْعُ الْمُسْتَحَبِّ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] وَالْإِيثَارُ مُسْتَحَبٌّ، وَسُمِّيَ مَنْعُهُ شُحًّا.