اخْتَلَفَتْ الْأَسْبَابُ فِي تَمَلُّكِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَلَيْسَ بِوِلَايَةٍ مَخْصُوصَةٍ حَتَّى يُذْكَرَ فِي جُمْلَةِ الْوِلَايَاتِ؛ وَكَذَلِكَ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَ مِنْ الْوِلَايَاتِ، وَبَيَانُهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.

وَأَمَّا وِلَايَةُ الْحِمَى وَالْإِقْطَاعِ فَهِيَ مَشْهُورَةٌ. وَأَوَّلُ مَنْ وَلَّى فِيهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَوْلَاهُ أَبَا أُسَامَةَ عَلَى حِمَى الرَّبَذَةِ، وَوَلَّى عُمَرُ عَلَى حِمَى السَّرِفِ مَوْلَاهُ يَرْفَأُ، وَقَالَ: اُضْمُمْ جَنَاحَك

عَنْ النَّاسِ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا مُجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ، وَإِيَّايَ وَغَنَمَ ابْنُ عَوْفٍ وَابْنُ عَفَّانَ فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكُ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ يَأْتِينِي بِعِيَالِهِ فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا؟ لَا أَبَا لَك، فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا.

وَأَمَّا الْإِقْطَاعُ فَهُوَ بَابٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، «فَقَدْ أَقْطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَزْنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَرْعِ»، وَبَيَانُهَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.

وَأَمَّا وِلَايَةُ الدِّيوَانِ فَهِيَ الْكِتَابَةُ، وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُتَّابٌ وَلِلْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَهِيَ ضَبْطُ الْجُيُوشِ بِمَعْرِفَةِ أَرْزَاقِهِمْ وَالْأَمْوَالُ لِتَحْصِيلِ فَوَائِدِهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا.

وَأَمَّا وِلَايَةُ الْحُدُودِ فَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: تَنَاوُلُ إيجَابِهَا، وَذَلِكَ لِلْقُضَاةِ؛ وَتَنَاوُلُ اسْتِيفَائِهَا، «وَقَدْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْمٍ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ»، وَهِيَ أَشْرَفُ الْوِلَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى أَشْرَفِ الْأَشْيَاءِ، وَهِيَ الْأَبْدَانُ؛ فَلِنَقِيصَةِ النَّاسِ وَدَحْضِهِمْ بِالذُّنُوبِ أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ بِالذِّلَّةِ بِأَنْ جَعَلَهَا فِي أَيْدِي الْأَدْنِيَاءِ وَالْأَوْضَاعِ بَيْنَ الْخَلْقِ.

وَأَمَّا وِلَايَةُ الْحِسْبَةِ فَهِيَ مُحْدَثَةٌ؛ وَأَصْلُهَا أَكْبَرُ الْوِلَايَاتِ، وَهِيَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلِكَثْرَةِ ذَلِكَ رَأَى الْأُمَرَاءُ أَنْ يَجْعَلُوهَا إلَى رَجُلٍ يَتَفَقَّدُهَا فِي الْأَحْيَانِ مِنْ السَّاعَاتِ؛ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى التَّوْفِيقَ لِلْجَمِيعِ، وَيُرْشِدُ إلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ، وَيَمُنُّ بِتَوْبَةٍ تُعِيدُ الْأَمْرَ إلَى أَهْلِهِ، وَتُوسِعُنَا مَا نُؤَمِّلُهُ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015