{لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} [يوسف: 10] وَلَا يُلْتَقَطُ الْكَبِيرُ. وَقَوْلُهُ: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف: 13] وَذَلِكَ أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِالصِّغَارِ؛ فَمِنْ هَاهُنَا أَخَذَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ غُلَامٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} [يوسف: 19]
قِيلَ: الضَّمِيرُ فِي (" أَسَرُّوهُ ") يَرْجِعُ إلَى الْمُلْتَقِطِينَ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ إلَى الْإِخْوَةِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِخْوَةِ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهُمْ كَتَمُوا أُخُوَّتَهُ، وَأَظْهَرُوا مَمْلُوكِيَّتَهُ، وَقَطَعُوهُ عَنْ الْقَرَابَةِ إلَى الرِّقِّ. وَإِنْ عَادَ الضَّمِيرُ إلَى الْمُلْتَقِطِينَ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهُمْ أَخْفَوْهُ عَنْ أَصْحَابِهِمْ، وَبَاعُوهُ دُونَ عِلْمِهِمْ بِضَاعَةً اقْتَطَعُوهَا عَنْهُمْ، وَجَحَدُوهَا مِنْهُمْ؛ وَسَاعَدَ يُوسُفُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ تَحْتَ التَّخْوِيفِ وَالتَّهْدِيدِ.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى بِأَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ، وَقَرَأَ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20].
وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةٍ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إنْ نَوَى رِقَّهُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ، وَإِنْ نَوَى الْحِسْبَةَ فِيهِ فَهُوَ حُرٌّ.
وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: كُنْت عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَحَدَّثَهُ سُنَيْنٌ أَبُو جَمِيلَةَ قَالَ: وَجَدْت مَنْبُوذًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، فَأَخَذْته فَانْطَلَقَ عَرِيفِي، فَذَكَرَهُ لِعُمَرَ، فَدَعَانِي عُمَرُ وَالْعَرِيفُ عِنْدَهُ، فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلًا قَالَ: عَسَى الْغُوَيْرُ أَبُؤْسًا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَثَلٌ كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَضْرِبُونَهُ. قَالَ عَرِيفِي: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّهُ لَا يُتَّهَمُ بِهِ. فَقَالَ لِي: عَلَامَ أَخَذْت هَذَا؟ قُلْت: وَجَدْته نَفْسًا بِمَضْيَعَةٍ، فَأَحْبَبْت أَنْ يَأْجُرَنِي اللَّهُ. قَالَ: هُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لَك وَرَضَاعَتُهُ عَلَيْنَا.
ٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20].