أجازت الشريعة الإسلامية فعل الجراحة الطبية رحمة بالعباد، ودفعًا لضرر الأسقام والأمراض عنهم فأذنت للأطباء، ومساعديهم بفعل الأمور التي تستلزمها الجراحة مع أنها محرمة عليهم في الأصل.
كل ذلك طلبًا لتلك المصالح التي يرجى تحققها وحصولها بعد الجراحة، ودفعًا لضرر الأسقام والأمراض الذي يرهق كاهل المرضى ويهدد حياتهم بالخطر.
لكن هذا الإذن بفعل الجراحة إنما تعني به الشريعة فعلاً مخصوصًا شهد الأطباء المختصون بكونه الطريق الذي ينبغي التزامه وسلوكه للوصول إلى ما حقق تلك المصالح الجلية، ويدفع تلك المفاسد العظيمة، بناء على الغالب.
فإذا خرج الأطباء ومساعدوهم عن ذلك الطريق، فإن أفعالهم ترجع إلى حكم الأصل الموجب لمنعهم من المساس بالجسد على وجه يعرضه للهلاك والتلف.
وقد أشار بعض فقهاء الإسلام -رحمهم الله- إلى ذلك حينما حكموا بوجوب الضمان على الخاتن الذي تجاوز في قطعه الحد المعتبر، والقاطع للسلعة الذي تجاوز الموضع، أو قطع في غير زمان القطع أو بآلة كآلة يكثر ألمها، وقاسوه على الجاني المعتمد.
قال الإمام ابن قدامة -رحمه الله-: "فأما إن كان حاذقًا وجنت يده مثل أن يتجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو إلى بعضها، أو قطع في غير محل القطع، أو يقطع الصلعة من إنسان فيتجاوزها، أو يقطع بآلة كآلة يكثر ألمها، أو في وقت لا يصلح القطع فيه وأشباه هذا ضمن فيه كله، لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ، فأشبه إتلاف