والثاني صدقة من الصدقات، مع أن كلا منهما صاع من طعام، لكن لما كان المدفوع قبل الصلاة على وفق الحدود الشرعية؛ كان زكاة مقبولة، ولما كان المدفوع بعدها على غير وفق الحدود الشرعية؛ لم يكن زكاة مقبولة، وهذه هي القاعدة العامة الشرعية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) (?) ، أي: مردود على صاحبه، وإن كانت نيته حسنة؛ لعموم الحديث.
ولو كان التشريك في الملك جائزا في الأضحية بغير الإبل والبقر؛ لفعله الصحابة رضي الله عنهم؛ لقوة المقتضى لفعله فيهم، فإنهم كانوا أحرص الناس على الخير، وفيهم فقراء كثيرون قد لا يستطيعون ثمن الأضحية كاملة، ولو فعلوه لنقل عنهم؛ لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله لحاجة الأمة إليه.
ولا أعلم في ذلك حديثا إلا ما رواه الإمام أحمد من حديث أبي الأشد عن أبيه عن جده قال: كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا نجمع لكل واحد منا درهماً فاشترينا أضحية بسبعة دراهم فقلنا: يا رسول الله، لقد أغلينا بها فقال: ((إن أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها)) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رجل برجل، ورجل برجل، ورجل بيد، ورجل بيد، ورجل بقرن، ورجل بقرن، وذبحها السابع وكبرنا عليها جميعا (?) .
قال الهيثمي: أبو الأشد لم أجد من وثقه ولا من جرحه، وكذلك أبوه. اه،. وقال في بلوغ الأماني شرح ترتيب المسند)) : والظاهر أن هذه الأضحية كانت من البقر؛ لأن الكبش لا يجزئ عن سبعة، والبعير لا قرون له، والبقرة هي التي تجزئ عن سبعة ولها قرون، فتعين أن تكون من البقر والله أعلم. وما استظهره ظاهر، ويؤيده أن الكبش لا يحتاج أن يمسك به السبعة، وفي إمساكهم به عسر وضيق، ويكفي في إمساكه واحد، اللهم إلا أن يقال: إن تكلف إمساكهم به ليس من أجل استعصائه؛ بل من أجل أن يحصل اشتراك الجميع في ذبحه، والله أعلم.
ونزل ابن القيم هذا الحديث على معنى آخر وهو أن هؤلاء السبعة كانوا رفقة واحدة فنزلهم النبي صلى الله عليه وسلم منزلة أهل البيت الواحد في إجزاء الشاة