فصل

وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله، قال ابن القيم ـ وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه البارزين ـ: ((الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه، ولو زاد (يعني ولو زاد في ثمنه فتصدق بأكثر منه) كالهدايا والضحايا، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر: 2) ، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 162) ، ففي كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما، ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران أضعاف القيمة؛ لم يقم مقامه، وكذلك الأضحية. اهـ.

ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها: أنه هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فإنهم كانوا يضحون، ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل؛ لعدلوا إليها وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعمل عملا مفضولا يستمر عليه منذ أن كان في المدينة إلى أن توفاه الله مع وجود الأفضل وتيسره ثم لا يفعله مرة واحدة، ولا يبين ذلك لأمته بقوله، بل استمرار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه على الأضحية يدل على أن الصدقة بثمن الأضحية لا تساوي ذبح الأضحية فضلا عن أن تكون أفضل منه، إذ لو كانت تساويه لعملوا بها أحيانا؛ لأنها أيسر وأسهل، أو تصدق بعضهم وضحى بعضهم كما في كثير من العبادات المتساوية، فلما لم يكن ذلك؛ علم أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها.

ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها: أن الناس أصابهم ذات سنة مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الأضحية، ولم يأمرهم بصرف ثمنها إلى المحتاجين، بل أقرهم على ذبحها، وأمرهم بتفريق لحمها كما في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء)) فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا في العام الماضي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها)) (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015