دلالة بالفعل، مثل أن يعمد الموصي إلى الشيء الموصى به فيتصرف فيه تصرفا يخرجه عن ملكه, كأن يبيعه أو يهبه. أو تصرفا يغيره ويجعله شيئا آخر كأن يبني على قطعة الأرض الموصى بها منزلا، أو يخلط الشيء الموصى به بشيء آخر من ملكه بحيث لا يمكن تمييزه أصلا أو لا يمكن إلا بعسر، كأن يخلط أردب القمح الموصى به بأردب آخر من نوعه أو بأردب من شعير. أو يزيد في الشيء الموصى به زيادة لا يمكن تسليمه إلا بها، كأن يوصي بدار من طبقتين ثم يبني عليهما طبقة ثالثة.
فإذا رجع الموصي عن وصيته صراحة أو دلالة بطل إيجابه, وليس للموصى له أن يبني عليه قبولا. كما يبطل الإيجاب بجنون الموصي جنونا مطبقا؛ لأنه لا بد لصحته من بقاء الموجب على أهليته إلى وقت موته، وكما يبطل الإيجاب بهلاك الموصى به إذا كان عينا مشارا إليها لفوات محل العقد.
وإما إذا لم يرجع الموصي عن وصيته لا بقول ولا بفعل، بل بقي مصرا عليها حتى مات، فإن للموصى له الحق في أن يقبلها وأن يردها. فإن ردها بطلت الوصية وبقي الموصى به على ملك ورثة الموصي. وإن قبلها تمت الوصية وملك الموصى به سواء كان عينا أو منفعة ملكا لازما ليس لأحد حق نقضه. وإن سكت الموصى له فلم يقبل ولم يرد إلى أن مات اعتبر قابلا, وتمت الوصية وملك ورثته العين الموصى بها إلى مورثهم.
ومن هذا يؤخذ أن تمام عقد الوصية من جانب الموصي بأن يصدر منه إيجاب الوصية, ويستمر على أهليته وإيجابه من غير رجع عنه بقول أو فعل حتى يموت. ومن جانب الموصى له بأن يقبلها بعد موت الموصي. أو يسكت عن الرد والقبول حتى يموت. فإن شئت قلت ركن الوصية الإيجاب من الموصي وعدم الرد من الموصى له بأن يقع اليأس عن رده بموته.
وهذا إذا كان الموصى له معينا بالشخص حتى يتأتى منه القبول أو الرد. أما إذا كان غير معين بالشخص كمن أوصى لفقراء بلده، أو في أي سبيل للخير.