406 - الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ: خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْغَدْوَةُ: خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاسْتِحْقَاقُهَا عَنْ الْجِهَادِ، وَإِعْمَالُ السُّيُوفِ: لَازِمًا لِذَلِكَ، كَمَا يَلْزَمُ الظِّلُّ.
وَهَذَا الدُّعَاءُ: لَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ، تُطْلَبُ بِهَا الْإِجَابَةُ:
أَحَدُهَا: طَلَبُ النَّصْرِ بِالْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " مُنْزِلَ الْكِتَابِ " كَأَنَّهُ قَالَ: كَمَا أَنْزَلْته، فَانْصُرْهُ، وَأَعْلِهِ. وَأَشَارَ إلَى الْقُدْرَةِ بِقَوْلِهِ " وَمُجْرِيَ السَّحَابِ "، وَأَشَارَ إلَى أَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا: بِقَوْلِهِ "، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ " إلَى التَّفَرُّدِ بِالْفِعْلِ، وَتَجْرِيدِ التَّوَكُّلِ، وَاطِّرَاحِ الْأَسْبَابِ، وَاعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ، وَحْدَهُ هُوَ الْفَاعِلُ.
وَالثَّانِي: التَّوَسُّلُ بِالنِّعْمَةِ السَّابِقَةِ إلَى النِّعْمَةِ اللَّاحِقَةِ وَقَدْ ضَمَّنَ الشُّعَرَاءُ هَذَا الْمَعْنَى أَشْعَارَهُمْ، بَعْدَمَا أَشَارَ إلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4] ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47] وَقَالَ الشَّاعِرُ:
كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ فِيمَا مَضَى ... كَذَلِكَ يُحْسِنُ فِيمَا بَقِيَ
وَقَالَ الْآخَرُ:
لَا وَاَلَّذِي قَدْ مَنَّ ... بِالْإِسْلَامِ يَثْلُجُ فِي فُؤَادِي
مَا كَانَ يَخْتِمُ بِالْإِسَاءَةِ ... وَهْوَ بِالْإِحْسَانِ بَادِي
" الرِّبَاطُ " مُرَاقَبَةُ الْعَدُوِّ فِي الثُّغُورِ الْمُتَاخِمَةِ لِبِلَادِهِ، وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا " وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَنْزِيلِ الْمُغَيَّبِ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ، تَحْقِيقًا لَهُ، وَتَثْبِيتًا فِي النُّفُوسِ فَإِنَّ مِلْكَ الدُّنْيَا، وَنَعِيمَهَا، وَلَذَّاتِهَا مَحْسُوسَةٌ، مُسْتَعْظَمَةٌ فِي طِبَاعِ النُّفُوسِ فَحُقِّقَ عِنْدَهَا أَنَّ ثَوَابَ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ فِي الرِّبَاطِ - وَهُوَ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ - خَيْرٌ مِنْ