قال ابن القيم رحمه الله: فأول شواهد السائر إلى الله والدار الآخرة أن يقوم به شاهد من (الدنيا وحقارتها) وقلة وفائها وكثرة جفائها وخِسّة شركائها وسرعة انقضائها.
[وما هي إلا ساعة ثم تنقضي ... ويذهب هذا كله ويزول]
ويرى أهلها وعشاقها صرعى حولها قد بدّعَتْ وعذبتهم بأنواع العذاب وأذاقتهم أمرّ الشراب.
أضحكتهم قليلاً وأبكتهم طويلا، سقَتْهم كؤوس سمّها بعد كؤوس خمرها، فسكروا بحبها وماتوا بهجرها.
فإذا قام بالعبد هذا الشاهد منها ترحّل قلبه عنها وسافر في طلب الدار الآخرة، وحينئذ يقوم بقلبه شاهد من (الآخرة ودوامها) وأنها هي الحيوان حقاً، فأهلها لا يرتحلون منها ولا يظعنون عنها بل هي دار القرار ومحط الرّحال ومنتهى السير، وأن الدنيا بالنسبة إليها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم ترجع).