فالله سبحانه عالم بما يريد إيجاده من العدم وهو كل شيء مريد لذلك باختياره وقد كتبه في اللوح المحفوط، أما المخلوق فيخلقه في حينه كما يخلق سبحانه الآن كتابتي هذه الأحرف، وأنت أيها القارئ لها يخلق قراءتك وأنت تقرأ وهذا متأخر عن كتابتي وإنما وُجد في حينه.
وعلى هذا قياس خلق المخلوقات كلها لكن المراد هنا المرتبة الرابعة وهي: خلق أفعال العباد، ليسهل التوكل وعمل القلب على مقتضاه لأنه عمل قلبي، وهو نتيجة اعتقاد العبد أن كل ما سوى الله سبحانه مخلوق له، وليس المراد فقط أنه خلق ذات المخلوقات حتى يتوهم الجاهل أنه يخلق فعل نفسه أو يشارك ربه في ذلك بل إنه سبحانه لم يزل يخلق المخلوقات وأفعالها يحرك المتحرك، ويسكن الساكن سواء العالم العلوي أو السفلي.
وقد قيل في التوكل: هو ترك تدبير النفس والإنخلاع من الحول والقوة؛ وإنما يقوى العبد على التوكل إذا علم أن الحق سبحانه يعلم ويرى ما هو فيه.
وقيل فيه: التوكل أن ترِدَ عليك موارد الفاقات فلا تسمو إلا إلى من إليه الكفايات.