فبين العمل وبين القلب مسافة وفي تلك المسافة قُطّاع تمنع وصول العمل إلى القلب، فيكون الرجل كثير العمل وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء ولا زهد في الدنيا ولا رغبة في الآخرة، ولا نور يفرق به بين أولياء الله وأعدائه وبين الحق والباطل، فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه لاستنار وأشرق، ورأى الحق والباطل، وميّز بين أولياء الله وأعدائه، وأوجب له ذلك المزيد من الأحوال.
ثم بين القلب وبين الرب مسافة وعليها قُطّاع تمنع وصول العمل إليه من كبر وإعجاب وإدْلال ورؤية عمل ونسيان المنّة وغير ذلك. إنتهى.
تأمل هذا الكلام النفيس وقوله فيه: (ولا نور يفرق به بين أولياء الله وأعدائه وبين الحق والباطل) وانظر أحوالنا وضعف الفرقان أو عدمه بين أولياء الله وأعدائه والتباس الحق بالباطل تعرف أن الفرقان الديني كاد أن يتلاشى ويضمحل من قلوب أكثر الخلق فيُخشى علينا من الأمرين جميعاً، ما بين العمل وبين القلب، وما بين القلب وبين الرب، وأين من يفقه قبل أن يقال: أين من يتفقد؟
إن الفقه في دين الله يوجب حالاً للعبد خاصة لا يرضاها أكثر الناس بل وينكرونها.