فمن عرف حقيقة نفسه وما طُبعت عليه علم أنها منبع كل شر ومأوى كل سوء، وأن كل خير فيها ففضل من الله مَنَّ به عليها لم يكن منها كما قال تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً) وقال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ).
فهذا الحب وهذه الكراهة لم يكونا بالنفس ولا بها ولكن هو الله الذي منّ بهما فجعل العبد بسببهما من الراشدين (فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (عليم) بمن يصلح لهذا الفضل ويزكو عليها وبه يثمر عنده، (حكيم) فلا يضعه عند غير أهله فيضيعه بوضعه في غير موضعه.
والنفس الأمارة جُعل الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها فهو يَعِدُها ويُمنيها ويقذف فيها الباطل ويأمرها بالسوء ويزيّنه لها ويطيل في الأمل، ويريها الباطل في صورة تقبلها وتستحسنها ويُمدّها بأنواع الإمداد الباطل من الأماني الكاذبة والشهوات المهلكة.
ويستعين عليها بهواها وإرادتها، فمنه يُدْخل عليها كل مكروه فما استعان على النفوس بشيء هو أبلغ من هواها وإرادتها، وقد