فطائفة قالت: لا نفارق أوطاننا، ولا نخرج من ديارنا، ولا نتحشّم مشقة السفر البعيد، ونترك ما ألِفْناه من عيشنا ومنازلنا ومفارقة آبائنا وأبنائنا وإخواننا لأمر وُعِدْنا به في غير هذه البلاد ونحن لا نقدر على تحصيل ما نحن فيه إلا بعد الجهد والمشقة فكيف ننتقل عنه؟
ورأت هذه الفرقة مفارقتها لأوطانها وبلادها كمفارقة أنفسها لأبدانها فإن النفس لشدة إلْفها للبدن أكره ما إليها مفارقته. ثم قال: فهذه الطائفة غلب عليها داعي الحس والطبع على داعي العقل والرشد.
والطائفة الثانية: لما رأت حال الرسل وما هم فيه من البهجة وحسن الحال وعلموا صدقهم: تأهبوا للسير إلى بلاد الملك، فأخذوا في المسير، فعارضهم أهلوهم وأصحابهم وعشائرهم من القاعدين.
وعارضهم إلْفُهم مساكنهم ودورهم وبساتينهم، فجعلوا يُقدّمون رِجلاً ويؤخرون أخرى، فإذا تذكروا طيب بلاد الملك وما فيها من سَلْوة العيش: تقدموا نحوها وإذا عارضهم ما ألِفوه واعتادوه من ظلال بلادهم وعيشها وصحبة أهلهم وأصحابهم: