كان له دوره في الترجيح إلا أنه ليس العامل الوحيد للترجيح، فلننظر إلى حديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كان يقبل الهدية ويثيب عليها) الحديث أخرجه البخاري من طريق عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة عن أبه عن عائشة، وقال عقبه: لم يذكر وقيع ومحاضر عن هشام عن أبيه عن عائشة، أي أنهما روياه مرسلاً عن عروة، وسئل أبو داود عنه فقال: تفرد بوصله عيسى بن يونس، وهو عند الناس مرسل،. وقال أحمد: كان عيسى بن يونس يسند حديث الهدية والناس يرسلونه. وقال نحو ذلك ابن معين.

ومع هذا فإن البخاري أخرج الطريق الموصولة، والقصد ليس بيان الراجح من القولين، وإنما بيان أن البخاري رحمه الله إنما رجّح الطريق الموصولة لعلة غير العدد، وإنما قضى بذلك لملكته التي تكونت عنده من معرفة أحوال الرجال.

ومن راجع ردود الحافظ ابن حجر على الدارقطني وغيره فيما انتقدوه على البخاري، تبين له ذلك، انظر مثلا إجابته عن الحديث الأول من الأحاديث المنتقدة في مقدمة "الفتح" وفي أثناء إجابته يقول: ويتأيد ذلك بأن الإسماعيلي لما أخرج هذا الحديث في "مستخرجه" على الصحيح من طريق يحيى بن سعيد القطان عن زهير، استدل بذلك على أن هذا مما لم يدلس فيه أبو إسحاق، قال: لأن يحيى بن سعيد لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لشيخه، وكأنه عرف هذا بالاستقراء من حال يحيى والله أعلم. اهـ

الغرض من هذا هو بيان أن معرفة أحوال الرجال موسعة لا غنى لمحدث عنها، بل هي أساس علم الحديث، ومن عرف شيخنا أو جالسه علم حرصه الشديد على ذلك، قل أن تجد مثله في هذا الشأن، وبعض المحققين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015