الرجل ربما تراه يعجبك كلامه وسمته، وما في قلبه حبة خردل من إيمان، نسأل الله ان يجعلنا من الصادقين، وأن يرزقنا العلم النافع. ومن هولاء العلماء الذين لا نزكيهم على الله عزوجل، شيخنا مقبل بن هادي حفظه الله، فهو ممن نحسبه جمع بين العلم والعمل، فمن الناحية العلمية لا أكون مبالغاً إذا قلت: إنه ممن يحب علم الحديث أكثر من أهله وماله.
كثير من الناس إذا رأى محققاً من المحققين قد أكثر من التخريجات للحديث وأرقا الصفحات وأرقام الحاديث، اغتر بذلك وظن أن ذلك المحقق من أكابر العلماء، ولكن كثرة التخريج وإن كانت مفيدة وتدل على علم إلا أنها وحدها لا تكفي، العلم الحقيقي ما حواه الصدر، وبعض المحققين علمه في أوراقه التي يكتبها، فربما إذا قابل هؤلاء إسناد فيه أبو إسحاق السبيعي، أو الأعمش أو زهير بن معاوية، ذهب ينظر ترجمته، لأن علمه هو الرجوع للكتب في كل شيئ، أما شيخنا حفظه الله فهو حريص على معرفة حال الرواة، فلان أثبت الناس في فلان، وفلان أخص من فلان من غيره، وقد عرفنا من صحبته أنه يشتهي ذلك ويستمتع به أشد من اشتهائه الطعام والشراب، وهذا هو العلم الحقيقي، فإنه إذا كان في إسناد اختلاف فذهب يرجح بين الرواة فإنه يقضي بينهم، فهو كأنه يعيش وسطهم، فهذا عندما يتكلم بكلمة في مثل هذه المواطن يكون لها وزنها، أما من كان مبلغ علمه هو الرجوع إلى الكتب وليست عنده ملكة للتمييز بين الرواة، فإنه إما يتحير، وإما يسلك مسلك أصحاب الرياضيات، فيقول: ثلاثة خالفوا واحداً، إذن الثلاثة على صواب والواحد مخطئ، فالمسألة ليست مسألة رياضيات بحتة، والعدد وإن