66 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ذَلِكَ فَقَصَدْتُ الْمُرَابَطَةَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِي مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ مِنْ شُهُورِ سَنَةِ سِتِّينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، فِي زَمَنِ وِلَايَةِ السَّيِّدِ أَيُّوبَ الْكُرْدِيِّ، فَأَتَيْتُ إِلَيْهَا فَنَظَرْتُ بَيَاضَهَا لَامِعًا رَأَيْتُهُ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَيْلًا عِنْدَ الصَّبَاحِ، فَلَمَّا وَصَلْتُ الْمَدِينَةَ وَجَدْتُ الْبَابَ الشَّرْقِيَّ مِنْهَا مَفْتُوحًا، بَابُهُ صَغِيرٌ مُصَفَّحًا بِالْحَدِيدِ، يُصْعَدُ لِلْمَدِينَةِ مِنْهُ بِقَنْطَرَةٍ مِنْ خَشَبٍ، وَعِنْدَ آخِرِ النَّهَارِ تَشِيلُهُ الْبَوَّابُونَ بِالْآلَةِ، فَطَلَبْتُ الدُّخُولَ لِلْمَدِينَةِ فَمُنِعْتُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا بِخَنْدَقٍ مَلْآنَ بِالْمَاءِ مُحِيطٌ بِالْمَدِينَةِ عَرْضُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ، وَبِهِ صَيَّادُونَ يَصْطَادُونَ السَّمَكَ فَقُلْتُ لِبَوَّابِي الْمَدِينَةِ: أُرِيدُ الدُّخُولَ، فَقَالَ كَبِيرُهُمْ: إِلَى أَنْ نَسْتَشِيرَ الْمَلِكَ، فَاسْتَشَارُوا، وَقَالُوا لِي: مَا تُرِيدُ بِالدُّخُولِ؟ فَقُلْتُ: أُرِيدُ الْمُرَابَطَةَ بِهَا، فَحَمَلُونِي إِلَى الْمَلِكِ وَأُوقِفْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ كَبِيرُ السِّنِّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ وَقَالَ لِي: مَا اسْمُكَ؟ فَقُلْتُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، فَقَالَ: وَمَا كُنْيَتُكَ؟ فَقُلْتُ: أَبُو خُزَيْمَةَ، فَقَالَ لِي: وَمَا هِيَ بَلَدُكَ؟ فَقُلْتُ: خُرَاسَانُ، فَقَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ جِئْتَ؟ فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُهَابُ سَمِعْتُ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَابَطَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَذَا وَكَذَا، فَطَلَبْتُ الْمُرَابَطَةَ بِهَا، فَتَرَكَنِي وَاقِفًا وَبِيَدِهِ قِرْطَاسٌ، وَسَأَلَنِي ثَانِيًا فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَتَرَكَنِي وَسَأَلَنِي ثَالِثًا فَرَدَّيْتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَنَادَنِي رَابِعًا أَزْعَجَنِي بِصَوْتِهِ، وَقَالَ لِي: تُرِيدُ الْمُرَابَطَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَحَمَلَتْنِي الْخُدَّامُ إِلَى مَحَلٍّ فِيهِ فِرَاشٌ، وَرَتَّبَ لِي طَعَامًا وَشَرَابًا مِثْلَ عَسَاكِرِ الْمَلِكِ، وَلَا زَالُوا يُمَثِّلُونِي بَيْنَ يَدَيْ الْمَلِكِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَسْأَلُنِي فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَرُدُّ عَلَيْهِ مَقَالَتِي الْأُولَى، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لِي: تُرِيدُ الْمُرَابَطَةَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ أَمِيرًا، تَحْتَ يَدِ كُلِّ أَمِيرٍ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نَفَرًا، وَكُلُّ أَمِيرٍ لَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ يَحْرُسُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلَ عَنْ أَمِيرِ النَّوْبَةِ، فَأُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَسَلَّمَنِي إِلَيْهِ فَكَتَبَنِي فِي دِفْتَرِهِ، وَسَلَّمَنِي فَرَسًا تُسَاوِي فِي ثَمَنِهَا مِائَةَ دِيَناَرٍ، وَسَيْفًا هِنْدِيًّا، وَرُمْحًا خَطِّيًّا، فَلَمَّا أَنْ صَلَّى الْأَمِيرُ الْعَصْرَ جُهِّزَتِ الْخَيْلُ، وَشَدَّتِ الرِّجَالُ سِلَاحِهَا، وَأَسِنَّتَهَا، وَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ بَابِ الْمَلِكِ لَابِسِينَ الزُّرُدَ، وَالْخُوزَ، وَآلَةَ الْحَرْبِ، وَكَتَبَةٌ يَكْتُبُونَ فِي الْعَسْكَرِ كُلَّ أَحَدٍ بِاسْمِهِ، إِلَى أَنْ كَتَبُوا ثَلَاثَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ رَجُلًا كُلُّهُمْ رَاكِبُونَ الْخُيُولَ، فَخَرَجْنَا وَلَا زِلْنَا بِالْمَدِينَةِ دَائِرِينَ إِلَى الصَّبَاحِ، فَضُرِبَتْ طَسْطَخَانَةُ الْمَلِكِ فَدَخَلْنَا فَنَقَدُونَا وَكَتَبُونَا ثَانِيًا، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ يَفْعَلُونَ بِأَمِيرِ كَذَا عَلَى عَدَدِ أَيَّامِ السَّنَةِ، فَكَانَ يَخُصُّ كُلَّ أَمِيرٍ فِي السَّنَةِ نَوْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكُنَّا نَزُورُ الْأَوْلِيَاءَ وَنَتَعَاهَدُ الْمَسَاجِدَ بِهَا، فَرَأَيْتُ بِهَا ثَمَانَ مِائَةِ مِحْرَابٍ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مِحْرَابٍ، وَبِهَا مِائَةٌ وَتِسْعُونَ خُطْبَةً، وَفِي كُلِّ وَلِيٍّ وَظِيفَةٌ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ، وَأَزِقَّةُ الْمَدِينَةِ مَفْرُوشَةٌ بِالرُّخَامِ الْهَيْصَمِيِّ، عَالِيَةُ الْبِنَاءِ، شَدِيدَةُ الْبَيَاضِ، لَا تَبْطُلُ الْعِمَارَةُ مِنْ أَسْوَارِهَا عَلَى الدَّوَامِ، وَكُلُّ خَرَاجٍ يَأْتِي إِلَى الْمَلِكِ يَأْمُرُ بِصَرْفِ ثُلُثِهِ فِي عِمَارَةِ الصُّورِ، بِهَا ثَلَاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ قُلَّةً مُبَيَّضَةً مَرْسُومَةً بِمَاءِ الذَّهَبِ بِاسْمِ الْمَلِكِ، وَلِكُلِّ وَزِيرٍ لِلْمَلِكِ قُلَّةٌ مَبْنِيَّةٌ بِالزَّلَطِ الْهَيْصَمِ، وَكَانَتْ قُلَّةُ الْمَلِكِ فِي الْجَانِبِ الْبَحْرِيِّ وَبَابُهَا يُفْتَحُ شَرْقِيًّا، وَآخَرُ قُبُلِيًّا، وَعَلَى الْبَابِ الْقِبْلِيِّ عَامُودَانِ مُرَبَّعَانِ مِنَ الزَّلَطِ الْأَحْمَرِ مُصَوَّرٌ عَلَيْهِمَا أَرْهَاطٌ وَشُخُوصٌ طُولُ كُلِّ عَامِودٍ مِنْهُمَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي طُولِهِمَا، بَيْنَهُمَا فُسْحَةٌ طُولُهَا سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، وَعَلَيْهَا شَبَكُةٌ مِنْ نُحَاسٍ، وَذَكَرَ لَنَا بَعْضُ الْإِخْوَانِ أَنَّهُ كَانَ فِي سَابِقِ الزَّمَانِ اسْتِخْدَامُ الصُّوَرِ الْمَنْقُوشَةِ عَلَى الْعَامُودَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إِذَا أَتَى عَدُوٌّ إلَى الْمَدِينَةِ يَرَى كُلَّ صُورَةٍ يَصْعَدُ إِلَيْهَا مِنَ الْبَحْرِ صُورَتَهَا وَيَكْثُرُ الصُّرَاخُ فِي جَانِبِ الْبَحْرِ فَتَعْرِفُ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَبَيْنَ الْعَامُودَيْنِ حَوْضٌ مِنَ الزَّلَطِ الْأَسْوَدِ مَنْقُوشٌ عَلَيْهِ شُخُوصٌ، وَأَرْهَاطٌ، وَمَرَاكِبُ، وَدَوَابُّ، وَأَشْكَالٌ عَلَى صِفَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهُوَ مُغَطًّى مَسْبُوكٌ عَلَيْهِ بِالرَّصَاصِ، وَكَانَ إِذَا أَتَى إِلَى الْمَدِينَةِ عَدُوٌّ يَفُورُ مِنَ الْحَوْضِ مَاءٌ، وَيُنْظَرُ إِلَى الْحَوْضِ فَتَرَى كُلَّ صُورَةٍ فِي الْحَوْضِ صِفَتَهَا طَالِعَةً إِلَى الْبَحْرِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْحَوْضَ كَانَ بِهِ مَدْفُونًا حَكِيمُهُ الَّذِي احْتَكَمَهُ، فَلَمَّا أَنْ أُخِذَتِ الْمَدِينَةُ مِنْ أُهْرَيْقِلَ أَرْسَلَ جَاسُوسًا بِأَمْوَالٍ وَدَخَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَتَوَصَّلَ إِلَى مَلِكِهَا، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ بِالْحَوْضِ ذَخِيرَةً مِنْ ذَخَائِرِ الْحُكَمَاءِ، وَحَسَّنَ فَتْحَهُ لِلْمَلِكِ، فَأَمَرَ بِفَتْحِهِ فَفَتَحَ فَبَطُلَ اسْتِخْدَامُهُ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ بِقُرْبِ كُومِ إِيمَاسَ وَجَامِعِ الْعُسْلِيَةِ بَحْرِيِّ طَرْفِ الْكُومِ قَصْرٌ مُعَلَّقٌ وَعَلَيْهِ غَلْقٌ كَثِيرٌ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّهُ كَانَ بِهِ رَصَدٌ لِنَقْلِ الْأَتْرِبَةِ كُلُّ مَنْ رَمَى عَلَى بَابِ دَارِهِ كُنَاسَةً يُصْبِحُ يَرَاهَا عَلَى كُومِ إِيمَاسَ، فَلَا زَالَ الْمَلْعُونُ جَاسُوسُ أُهْرَيْقِلَ يُحَسِّنُ لِلْمَلِكِ فَتْحَ ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَأَمَرَ بِفَتْحِهِ فَفُتِحَ فَوُجِدَ بِهِ مَكْنَسَةٌ مِنْ نُحَاسٍ عَلَى زَلَطَةٍ سَوْدَاءَ، فَلَمَّا أَنْ فَتَحَ بَطُلَتْ حَرَكَةُ ذَلِكَ، وَبَابُ الْمَدِينَةِ الشَّرْقِيُّ الَّذِي يُسَمَّى بَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سَكَنًا لِلْوَزِيرِالْكَبِيرِ، فَنَامَ لَيْلَةً فَرَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ بِالْبَابِ شُهَدَاءَ اسْتُشْهِدُوا فِي الْوَقْعَةِ وَدُفِنُوا بِهِ، فَشَكَوْا مِنْ دَوْسِ النِّعَالِ فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلْمَلِكِ يُوسُفَ، فَأَمَرَ بِسَدِّهِ وَبِفَتْحِ بَابِ الْخَضِرِ الْكَبِيرِ، وَكَانَ الْمَلِكُ يَعْمَلُ بِهِ مَوَالِدَ فِي كُلِّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ، وَالْبَابُ الْغَرْبِيُّ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ ابْنُ الْمَلِكِ أُهْرَيْقِلَ ذُكِرَ أَنَّ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَلْفًا وَأْرْبَعَ مِائَةِ شَهِيدٍ، فَهُوَ لِوَزِيرٍ ثَانٍ، فَكُنَّا لَيْلَةً تَكُونُ نَوْبَتُنَا نَسْمَعُ مَجَالِسَ الذِّكْرِ كَضَجِيجِ الْحَجِّ، فَنَظُنُّ أَنَّ الْوَقْعَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَبِهَا مِائَةٌ وَثَمَانُونَ مَدْرَسَةً لِطَلَبِ الْعِلْمِ، حَتَّى كَانَ بِالْمَدِينَةِ حَطَّابُونَ تَكْتُبُ عَلَى الْفَتَاوَى، وَلَا تَرَى فِي أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ تُرَابًا وَلَا حَصْوًا، وَلَا يَعْلُوهَا دُخَانٌ، وَفِي كُلِّ عَامٍ تَأْتِي مَرْكَبٌ بِالْمَدِينَةِ مِنْ أُهْرَيْقِلَ لِلْمَدِينَةِ بِهَا مِائَةُ صِنْدَادٍ حَامِلِينَ الزَّلَطَ الْأَسْوَدَ مُنَكَّسِينَ الرُّءُوسَ، يَرُضُّونَهَا بِدَاخِلِ الصُّورِ وَمَعَهُمْ هَدَايَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ لِأَجْلِ زِيَارَتِهِم كَنِيسَةَ وَلَدِ أُهْرَيْقِلَ الَّتِي قُتِلَ بِهَا، وَهِيَ بِوَسْطِ الْبَلَدِ وَلَهَا شُهْرَةٌ بِعِمَادِهَا وَبِنَائِهَا بِقُرْبِ مَسْجِدٍ يُقَالُ لَهُ: قِيلِيلَا فِي الْقِبْلِيِّ يُصْعَدُ إِلَيْهِ بِسُلَّمٍ مِنْ هَيْصَمٍ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ، وَبِهَا مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِابْنِ عَوْفٍ بِهِ سِتُّونَ شَهِيدًا دُفِنُوا بِهِ، وَبِهِ مُسْجِدٌ فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ يُسَمَّى بِالْعُمَرِيِّ، وَآخَرُ لِابْنِ عَوْفٍ، وَآخَرُ بِالْبَابِ الشَّرْقِيِّ يُسَمَّى بِالْفَخْرِ بِهِ سِتُّونَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَبِالْمَدِينَةِ مِنَ الْجَانِبِ الْبَحْرِيِّ سَبْعُ مَحَارِسَ عَالِيَةُ الْبِنَاءِ، بِهَا رُمَاةٌ تَرْمِي بِالقَسِي، يَرْمِي أَحَدُهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ، وَفِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ بَابٌ يُسَمَّى بَابَ الْبَرَكَةِ، وَبَابُ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَزُورُهُ الْمَلِكُ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَيَتَصَدَّقُ فِيهِ بِخَيْرٍ كَثِيرٍ، وَالْجَامِعُ الْكَبِيرُ يُعْرَفُ بِجَامِعِ الْغُرَبَاءِ، بِهِ ثَلَاثُ مِائَةِ مَجَاوِرٍ لِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَفِي رُكْنِهِ الْبَحْرِيِّ مَنْزِلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَمَّا رُمِيَ بِالْمَنْجَنِيقِ حِينَ أُخِذَتِ الْمَدِينَةُ، وَبِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِجَامِعِ السَّارِيَةِ، بِجَانِبِهِ عَامُودٌ كَبِيرٌ وَآخَرُ صَغِيرٌ، وَذُكِرَ أَنَّ الْعَامُودَ إِشَارَةُ كَنْزٍ، وَكَانَ الْمَلِكُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ وَزَمَنِ الزُّهُورَاتِ يَأْمُرُ بِنَصْبِ الصِّوَانِ تَحْتَ الْعَامُودِ، وَيَخْرُجُ الْمَلِكُ، وَتُنْصَبُ الْبَيَارِقُ عَلَى الْأَسْوَارِ خُضْرٌ، وَبِيضٌ، وَحُمْرٌ، وَمُفْتَرَجَاتٌ، وَيَأْمُرُ الْمَلِكُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِفَتْحِ الْخَلِيجِ وَتَنْظِيفِهِ حَتَّى يَبَانَ قَاعُهُ لِأَنَّهُ مُرَخَّمٌ بِالْهَيْصَمِ، وَفِي زَمَنِ النِّيلِ تَجِيءُ الْمَرَاكِبُ فِيهِ، وَتَطْلُعُ النَّاسُ لِلْمُفْتَرَجَاتِ، وَالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالتَّنَزُّهِ إِلَى أَيَّامٍ عَدِيدَةٍ، وَبِأَبْوَابِ مَسَاجِدِهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ يَحْتَاجُ أَحَدٌ إِلَى شَيْءٍ وَقَعَ مِنْهُ يَرَاهُ، وَبِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْجَانِبِ الْبَحْرِيِّ عَلَى خَمْسَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ مَنَارَةٌ خَرَابٌ بِهَا سَبْعَةُ عُقُودٍ أَسْفَلَهَا، تَعْلُوهَا خَمْسَةُ عُقُودٍ، تَعْلُوهَا ثَلَاثَةُ عُقُودٍ يَعْلُوهَا عَقْدٌ وَاحِدٌ، طُولُ كُلِّ عَقْدٍ مِنْ تِلْكَ الْعُقُودِ الْأُولَى سَبْعَةٌ وَعِشُروَن ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْعَمَلِ، وَعَرْضُهُ كَذَلِكَ، وَفِي وَسَطِهِ مَنَارَةٌ مُرَبَّعَةُ الْأَرْكَانِ، يُصْعَدُ إِلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ سُلَّمًا، طُولُ كُلِّ سُلَّمٍ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ كَذَلِكَ مِنَ النُّحَاسِ الْأَصْفَرِ، مَنْقُوشٌ عَلَيْهِ أَرْهَاطٌ وَشُخُوصٌ، لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ لَوَالِبَ، إِذَا فُرِكَتْ تَسْمَعُ لَهَا دَوِيًّا كَالرَّعْدِ، وَخَلْفَ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ مِرْآةٌ مِنْ هَانِيدَانَ مُزَيَّنَةٌ بِالذَّهَبِ، وَفَوْقَهَا عَلَمٌ مِنْ فِضَّةٍ يَدُورُ مَعَهَا أَيْنَ دَارَتْ، فَإِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ شَرْقًا أَوْ غَرْبًا تَدُورُ بِالْآلَةِ إِلَى أَنْ تَعْكِسَهَا، فَيَرَى مَنْ فِيهَا مَنْ قَابَلَهَا مِنْ مَسِيرَةِ ثَمَانِيَةِ آلَافِ مَيْلًا، مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَلَكِنْ وَجَدْنَاهَا مُعَطَّلَةً بَاقِيَةً عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَذُكِرَ أَنَّ سَبَبَ تَعْطِيلَهَا أَنَّ وَلَدَ أُهْرَيْقِلَ لَمَّا أَنْ أَتَى الثَّغْرَ عِنْدَ الْوَقْعَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِأُهْرَيْقِلَ، وَكَانَ لَمَّا تُحَوَّلُ الْمِرْآةُ إِلَى نَاحِيَتِهِ فَيَرَى مَا يَجْرِي فِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ أُهْرَيْقِلُ أَوْصَى وَلَدَهُ وَقَالَ لَهُ: إِذَا كَانَ الْقِتَالُ دَوِّرِ الْمِرْآةَ نَحْوِي لِأَرَى مَا أَنْتَ فِيهِ، فَلَمَّا أَنْ وَصَلَ الْمَدِينَةَ أُعْلِمَ الْخَازِنُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ وَقَعَتْ الْحَرْبُ قُتِلَ ابْنُ أُهْرَيْقِلَ وَأُسِرَتْ قَوْمُهُ فَبَطَّلَ الْخَازِنُ حَرَكَتَهَا. . . عَلَى ذَلِكَ، وَأَقَمْتُ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعُونَ. . . . أَرْبَعُونَ يَوْمًا، فَيَالَهَا مِنْ مَدِينَةٍ. . . . وَأَهْلُهَا لِلْخَيْرِ فَاعِلُونَ، لَا تُبَطِّلُ الْقَرَأَةُ مِنْهَا، وَلَا طَلَبُ الْعِلْمِ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، إِيمَانًا سَاطِعًا وَنُورًا لَامِعًا بِهَا. . . . . وَكَرَامَاتُهُمْ سَاهِرَةٌ وَأَقْوَالُهُمْ صَحِيحَةٌ أَعَاذَ اللَّهُ طَلَبَةً بِمَدَدِهِمْ آمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
تَمَّتْ.