إنّما كان متغلباً، وبالدين متلاعباً، فأهلكه الله بظلمه وتطاوله على عباد الله وجوره وفسقه، إنّ الله يمهل على الظالم حتى يأخذه، فإذا أخذه لم يفلته، ويدل على تغلبه وإستقلاله عدم وقوفه عند الأمر العثماني وإمتثاله، بل لا يكترث به أصلاً، ولا يتبع له قولاً ولا فعلاً، وقد أمره أن يعقد مع النصارى صلحاً فلم يقبل له قولاً ولا نصحاً، وطلب منه بعض الأموال ليستعين بها على ما حلّ به مع النصارى من الأهوال، فامتنع غاية الامتناع، ولم يمكنه من شبر منها فضلاً عن الباع، حتى أخذها العدوّ الكافر، وهذا جزاء كل فاسق فاجر، مال جمع من حرام سلّط الله عليه الأعداء اللّئام، وهذا كلّه من المتغلب متواتر مشاهد بالعيان، مستغن عن إقامة الدليل والبرهان، الناس كلهم عبيد الله وإماؤه، والسلطان واحد منهم ملّكه الله أمرهم إبتلاء وامتحاناً، فإن قام فيهم بالعدل والرحمة والإنصاف والاصلاح مثل سيّدنا- نصره الله- فهو خليفة الله في أرضه وظلّ الله على عبيده وله الدرجة عند الله- تعالى-، وإن قام فيهم بالجور والعسف والطغيان والفساد مثل هذا المتغلب فهو متجاسر على الله في مملكته، ومتسلّط ومتكبّر في الأرض بغير الحق ومتعرض لعقوبة الله الشديدة وسخطه، هذا وعلى فرض التسليم أن للعثماني في عنقنا بيعة، فلا تكون علينا حجة، لأنّه تباعد علينا قطره فلم يغن عنّا شيئاً ملكه، لما بيننا وبينه من المفاوز والقفار والبحار، والقرى والمدن والأمصار، وربما قرب محله من جهة البحر لكن منعه الآن من ركوبه الكفار، على أنّه ثبت بتواتر الأخبار البالغة حدّ الكثرة والانتشار أنّه مشتغل لنفسه ومقرّه عاجز عن الدفع عن إيالته القريبة من محلّه حتى أنّه هادن النصارى خمس سنين على عدد كثير من المئين، وأعطى فيهم منهم ضامن ليكون في المدة المذكورة على نفسه وحشمه آمناً، فكيف يمكنه مع هذا الدفاع عن قطرنا وناحيتنا وبلدنا، وأدل دليل على بعده عن هذا المرام خبر مصر ونواحي الشام، فقد استولى عليها أعداء الدين، مدة تزيد على الخمس سنين فلم يجد لهم نفعاً ولا ملك عنهم دفعاً حتى استعان بالعدوّ والكافر، والله- تعالى- قد يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015