واستمرّ الحال على ذلك إلى أن ظهر الخطر الذي أصاب الاقتصاد المغربي في الصميم وهو ما وقع في أوروبا من اختراع للمناسج الميكانيكيّة التي تنسج بدون واسطة اليد، فقد أخذت منسوجات هذا الاختراع الجديد تدخل للمغرب في أواخر دولة السلطان المولى سليمان وعهد المولى عبد الرحمن، ثم تكاثرت مع مرّ الزمن حتى قضت على المناسج المغربية اليدوية، وقد استطاع الغربيون أن ينسجوا على غرار المنسوجات المغربية لما وقع بيد تجارهم بالمغرب، فبعثوه إلى بلادهم ونسجوا على منواله، فجاء أكثر جودة من المغربي وأخف، وأرخص ثمناً، وأقل تكلفة، فراج في مدن المغرب رواجاً كبيراً.

وفي هذا الوقت أخذت صناعة القطن والكتان تضعف شيئاً فشيئاً، ويجلب من بلاد الافرنج ما يستغنى به عمّا يصنعه المغاربة ويزهد فيه، لرخص الافرنجي ولطافته، بعد ما كانت هذه الصناعة على غاية من الازدهار بالمغرب.

وما أصاب هذه الصناعة أصاب باقي الصناعات المغربية الأخرى التي تقدّمت عند الغرب، وكان من نتيجة هذا الغزو الأوروبي للصناعات المغربية، أن افتقر أهلها وضعف حالهم، ونزل بالمغاربة ضرر كبير بدفع ما في أيديهم من النقود والاحتياج إلى الأجنبي في الملبوسات والمصنوعات 1.

ففتحت أبواب مراكش للأوروبيين بعدما كانت مغلقة في وجوههم، فأخذوا يتسابقون لاكتساب النفوذ فيها، وكثر تردّدهم عليها بالتجارات أولاً، ثم بالمشروعات، الأمر الذي نشأت عنه عواقب وخيمة سياسياً واقتصادياً 2.

وقد تبسط صاحب الاستقصا في شرح هذه العواقب الاقتصادية وقال: (وفي سنة احدى وستين ومائتين وألف أخذت السكة في الارتفاع ... ولما أخذت السكة في الارتفاع أخذت الأسعار في الارتفاع أيضاً، وحاول السلطان- رحمه الله- حصرها فلم تنحصر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015