متين من التعاطف والمودة والعدل، وفي مقابل الخصائص التي تؤهل الرجل بصفة عامة لهذه الأمور تأهيلاً أمثل، نلاحظ أن خصائص المرأة بشكل عام تحبب إليها أن تجد لدى الرجل ملجأ وسنداً، وقوة إرادة، واستقرار عاطفة، وحكمة في تصريف الأمور، وسلطاناً ترى في الانضواء إليه أنسها وطمأنينتها وأمنها وصلاح بالها وراحتها من أعباء المسؤوليات الجسام.

ولذلك نلاحظ أثر هذا التكوين الفطري ظاهراً في كل مجموعة إنسانية، ولو لم تلزمها به أنظمة أو تعاليم، وربما شذ عنه نفر قليل اختلت فيهم مقادير خصائص الذكورة والأنوثة، فتجاوزت حدودها السوية، وهذه الحالات الشاذة لا تسحق تعديلاً في أصل القاعدة الفطرية التي تشمل معظم الرجال والنساء في المجتمع الإنساني.

ولا يلزم من كون الرجال مزودين بخصائص تؤهلهم لأن يكونوا هم القوامين على النساء، أن تكون قوامتهم استبدادية استقلالية ظالمة آثمة، فالقوامة في الأسرة ولاية صغرى يجب على متوليها ما يجب على ذوي الولايات الكبرى من مشورة وعدل، وتقيد بحدود الله، والمستشارون في هذه الولاية الصغرى هم أعضاء الأسرة، وأمين سرها المخلص الغيور زوجة الرجل، وهنا تستطيع المرأة العاقلة الحكيمة أن تكون صاحبة السلطان الخفي على قلب صاحب السلطان الظاهر، دون أن تتحمل مسؤوليات القوامة ومشكلاتها، وأعباءها وأخطاءها.

وهذا ما اختارته المرأة لنفسها واطمأنت إليه في مختلف العصور الغابرة، وحتى زمان الناس هذا في القرن العشرين الذي بلغت فيه المرأة من التحرر والانطلاق في الغرب والشرق مبلغاً لا تحلم بأكثر منه.

إن هذه الظاهرة الاجتماعية لا بد أن تكون أثراً من آثار التكوين الفطري للنفوس الإنسانية ذكورها وإناثها.

وأما الناحية الفكرية: فإن الحكمة في المجتمعات الإنسانية تقضي بأن يكون لكل مجتمع صغر أو كبر قيّم يقوده ويدير شؤونه، حماية له من الفوضى والتصادم والصراع الدائم، والأسرة أحد هذه المجتمعات التي تحتاج إلى قيِّم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015