ولقد كان خيراً لهم - لو كانوا منصفين - أن يبحثوا عن الحق بحث العالم المتجرد عن كل عامل أناني ذاتي، وأن يتبعوه وينصروه، دون أن ينظروا إلى حملة هذا الحق، سواء أكانوا أعداءً لهم أو أصدقاءً، فالحق من شأنه أن يؤاخي بين طلابه وعشاقه وحملته والمستمسكين به، ويجعلهم أحبة متصافين، ولو كانوا بالأمس أعداءً متحاربين.
ما بالهم في شؤون الدنيا لا يغمطونها ولا يجحدون حقائقها، مهما طرحت بين أيديهم من حقائق، فإذا طرح الإسلام حقيقة من الحقائق بين أيديهم حاصوا، وأخذوا يسددون لها السهام، ويجرحونها، ويجحدونها، ويثيرون حولها المطاعن الكاذبة والشبهات الملفقة؟!.
إنهم ينظرون إلى المسلمين نظرة عداء، فلو عرض عليهم المسلمون منجماً من مناجم الذهب في بلادهم، أو حقلاً من حقول النفط، أفلا يتسارعون إليه بحثاً وتنقيباً، ويستخرجون خيراته وينتفعون بها؟.
أفيقولون بعد أن يشاهدوا الذهب الحقيقي: هذا شَبَه وليس بذهب، ثم يزهدون به وينصرفون عنه؟
أم يتنافسون على استخراجه وربما يتقاتلون عليه؟
إننا وجدناهم من أكثر الناس بحثاً عن الجواهر والمعادن وأشباهها وكل نافع مفيد من كنوز الأرض، في أي بلد من بلاد الدنيا، ويقدرونها حق قدرها، ويعرفون قيمتها الحقيقية.
فما دلهم إذ عُرضت عليهم حقيقة من حقائق الإسلام تشهد لها دلائل الفكر ودلائل التجربة والواقع اضطغنت قلوبهم، وثارت فيهم عصبيّات جاهلية موروثة، وأخذتهم العزة بالإثم، ونفروا نفرة الباطل من الحق؟
لماذا لا تكون إراداتهم سائرة على وتيرة واحدة في كل قضايا الحق، ما يتعلق منها بدنياهم ويخدم شهواتهم، وما يتعلق منها بآخرتهم ويخالف أهواءهم؟!