الثاني عشر والثالث عشر من الميلاد، ثم انتهت بجلائهم بعد أن أسسوا لأنفسهم في المشرق العربي الإسلامي عروشاً صغيرة تابعة لممالكهم من وراء البحار.
ولما كتب الله عليهم الجلاء، على أيدي الأبطال المسلمين الذين رفعوا راية الإسلام، وقاتلوا في سبيل الله، وباعوا الله أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فأظفرهم الله بعدوهم، وأيدهم بنصره، كانت عظة هذه الحروب في نفوس الصليبيين وجوب تحويل المعركة مع المسلمين من حرب سافرة مسلحة توقظهم من سباتهم، وتعيدهم إلى أسس دينهم، وتحيي فيهم روح الجهاد في سبيل الله، إلى حرب مقنَّعةٍ يدخل في حسابها الغزو الفكري والنفسي والخلقي، والغزو الحضاري والمدني والاقتصادي، وأخذ مفكروهم يضعون الخطط لتنفيذ هذه الحروب المقنّعة.
وبدأ جنود هذه الحروب القادمون بأقنعة شتى ينفذون خططها بكل مكر ودهاء وخبث، متسترين بالعلم أو بالتجارة أو بالصناعة أو بتحسين مظاهر المدنية أو بالتعاون والمحبة الإنسانية أو بالطب والمستشفيات أو بالخبرات الفنية في مختلف مجالات الحياة إلى غير ذلك من أقنعة جميلة مقبولة لدى أنفس الشعوب. وكانت ثمرة هذه الحروب المقنّعة وافرة لأعداء الإسلام والمسلمين.
- التحول الصليبي إلى خطط الغزو الفكري مع ما يتيسر لهم من غزو عسكري
إذن فقد كان الاتجاه عند أعداء الإسلام والمسلمين منذ قرون خلت أن يباشروا أولاً بالغزو المادي المسلح، ليؤدي وظيفته المادية من جهة، وليكون سبيلاً للغزو الفكري والنفسي والخلقي من جهة ثانية، حتى إذا تم للغازي الاحتلال الفكري والنفسي كانت ضحيته مركباً ذلولاً يصرفها طوع بنانه، ومرتعاً سهلاً يفعل به ما يريد.
ثم تحول الاتجاه عند أعداء الإسلام بعد تجاربهم الطويلة مع المسلمين، فغدا أن يعملوا على تهيئة الشعوب الإسلامية من الداخل، وذلك بأسلوب الغزو الفكري والنفسي والخلقي عن طريق عملائهم وأجرائهم، وتحت ستار