الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]
بقلم: وصفي عاشور أبو زيد، باحث مصري في العلوم الشرعية
عبد الرحمن حبنكة (1345 - 1425 هـ)
توفي في العاصمة السورية دمشق ساعة مبكرة من صباح يوم الأربعاء / 8 / 2004 م، عن عمر مديد مبارك يناهز السابعة والسبعين عاما..
من قدر الله الذي جرى على أمتنا الإسلامية في التسع سنوات الأخيرة أن رزئت بموت كوكبة من أكابر علمائها، على رأسهم: المفكر الداعية الشيخ محمد الغزالي، والإمام الأكبر الشيخ جاد الحق، والكاتب الإسلامي خالد محمد خالد، والمفسر الملهم الشيخ الشعراوي، والفقيه المحقق مصطفى الزرقا، والمحدث المدقق ناصر الدين الألباني، والخطيب المؤيَّد عبد الحميد كشك، والأديب الفقيه علي الطنطاوي، واللغوي الحُجة محمود محمد شاكر، والمصلح الألمعي أبو الحسن الندوي، والعالم الزاهد عبد العزيز بن باز، وراهب العلم الأستاذ محمد عبد الحليم أبو شقة، والفقيه الداعية الشيخ السيد سابق، والعالم المربي محمد الصالح العثيمين، والفقيه الأصولي الدكتور محمد بلتاجي حسن، وغيرهم وغيرهم، فلم يمض القرن العشرون إلا ومعه جل علمائه ودعاته ومصلحيه.
واليوم يودعنا أحد هؤلاء المفكرين الأعلام الذين كرسوا حياتهم للدعوة إلى الله وتربية الأجيال، وتأليف الكتب، ومقارعة المتغربين والمستشرقين، والحفاظ على مبادئ الإسلام ومثله العليا ومقاصده الكبرى، والتصدي للغزو الفكري حتى لقَّبه أحد زملائه بـ "أبو الغزو الفكري والثقافة الإسلاميَّة".
إنه العالم المفكر الداعية الشيخ الدكتور عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني
مولده وتعليمه:
ولد الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة في دمشق بحي الميدان سنة 1927م / 1345 هـ، ونشأ في بيت علم ودعوة تحيط به ظروف قلَّما تيسَّرت لغيره، فهو سليل إحدى العائلات الدمشقيّة العريقة التي عُرِفت بالعلم، وهو والعلم والدعوة ـ بدءًا من نشأته الأولى منذ ما يزيد عن ستين عامًا ـ توءمان لا يفترقان، وكان لوالده الشيخ حسن حبنكة فضل تربيته وتأديبه وتعليمه.
درس الشيخ عبد الرحمن في "معهد التوجيه الإسلامي"، الذي أنشأه والده رحمه الله، وتخرج فيه عدد من علماء دمشق المعروفين.. كالشيخ الداعية الفقيه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والشيخ الدكتور مصطفى سعيد الخنّ، والشيخ حسين خطَّاب رحمه الله، والدكتور مصطفى البغا، وغيرهم.
ثم درس الشيخ في الأزهر الشريف، وعمل بعد تخرجه في مديرية التعليم الشرعي التابعة لوزارة الأوقاف السورية، ثم عضوًا لهيئة البحوث في وزارة التربية والتعليم في سوريا، ثم انتقل إلى السعودية بعد عام 1967م ليعمل أستاذًا في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، ثم أستاذًا في جامعة أم القرى في مكة قرابة ثلاثين عامًا.
من مؤلفاته:
قدّم الشيخ عبد الرحمن حبنكة كتبا قيمة زادت على الثلاثين كتابا أثرى بها المكتبة الإسلامية والفكر الإسلامي؛ حيث تعدَّدت إسهاماته وتنوعت في مجالات متعددة: في العقيدة، والدعوة، والأدب، والأخلاق، والدراسات القرآنية، وسلسلة أعداء الإسلام: "اليهود - الشيوعية - التيارات المعاصرة - الغزو الفكري"، وغيرها، ونذكر من كتبه ما يلي:
- العقيدة الإسلاميَّة وأسسها. - الأخلاق الإسلاميَّة وأسسها. - قواعد التدبُّر الأمثل لكتاب الله. - أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع. - مكايد يهوديَّة عبر التاريخ. - صراع مع الملاحدة حتى العظم. - أجنحة المكر الثلاثة. - ديوان "ترنيمات إسلاميَّة"، شعر. - ديوان "آمنت بالله"، شعر. - ديوان "أقباس" في منهج الدعوة وتوجيه الدعاة. - ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة. - مبادئ في الأدب والدعوة. - معارج التفكر ودقائق التدبر. - نوح عليه السلام وقومه في القرآن. - تدبر سورة الفرقان. - روائع من أقوال الرسول. - الصيام ورمضان في السنة والقرآن. - براهين وأدلة إيمانية. - ابتلاء الإرادة بالإيمان والإسلام والعبادة. - غزو في الصميم. - الكيد الأحمر. - ظاهرة النفاق وخبائث المنافقين. - كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة. - بصائر للمسلم المعاصر. - التحريف المعاصر في الدين. - الحضارة الإسلامية. - توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية. - فقه الدعوة إلى الله تعالى. - البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها وصور من تطبيقاتها. - صفات عباد الرحمن في القرآن. - منهج التربية النبوية للطفل مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح.
من آرائه ومواقفه التاريخية:
ومن آرائه البارزة في طبيعة اليهود ما ذكره في كتابه: "مكايد يهودية عبر التاريخ"، الذي كشف فيه حقيقة الكيان الصهيوني والعقيدة الصهيونية؛ حيث بين أنها قائمة على الظلم والعدوان منذ عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحتى يومنا هذا.
وقال: إن الدارس عبر التاريخ لليهود بوصفهم شعباً له صفاته وخصائصه المميزة يجده شعباً شريراً، خائناً، ملتوياً، خبيث الطوية، ماجن السلوك، عنصرياً، مغروراً، جشعاً، يستغل الآخرين، يثير الفتن، ويبيت المؤامرات ضد الأمم والشعوب الأخرى. انظر: ص13- 20.
ومن آرائه المشهورة أنه ذكر أربع نقاط يمكن للإنسان أن يقيس نفسه بها ويعرف ما إذا كان قوي الإرادة أم ضعيفها وهى:
1- سرعة مبادرته للخيرات والطاعات. 2- التفاؤل بالخير دائما. 3- تلقي الأحداث بصبر ورضي. 4- ملك النفس عند الغضب.
وقل: إن الإنسان إذا أراد أن يقوي إرادته الفعلية فعليه بما يلي:
1- تقوية إيمانه بالله تعالى وبصفاته الحسنى وبقضائه وقدره. 2- التدريب العملي من خلال مجاهدة النفس. 3- ممارسات العبادات.
ومن مواقفه التاريخية في مضمار التصدي لما يسمى بالغزو الفكري أنه في أحد صباحات نيسان 1967م تسلل أحد الغزاة الفكريين إلى إحدى المطبوعات الدورية الحكومية في سوريا، ودس مقالا تخريبيا للفكر الإسلامي، فما كان منه ـ رحمه الله ـ إلا أن تصدى له في منبر جامع الميدان ملهبا مشاعر الجماهير المسلمة التي اندفعت إلى الشوارع في مظاهرات صاخبة، وأغلقت المحال؛ حيث كان الظرف السياسي في تلك الآونة شديد التأزم والخطورة، فتحركت الدولة بسرعة لامتصاص الأزمة، وفعلا وقع على من له علاقة بما نشر في المجلة أحكام مشددة.
رحم الله الشيخ عبد الرحمن حبنكة، فسجله الحافل بالتصدي للغزو الفكري وأكثر من ثلاثين عاما قدم فيها في المملكة السعودية خلاصة فكره المنير لهي إضاءات أنارت قلوب وعقول شباب الأمة المسلمة.