كان كلامه الذي لم يشترط فيه طول الصحبة أولى بالتقديم وأحق بالترجيح.

ثانيًا: أن كلامه الذي لم يشترط فيه طولَ الصحبة، والذي جاء في موطنه اللائق به= كلامٌ يوافقه عليه جَمْعٌ من الأئمة (إن لم يكن جميع الأئمة) ، وعلى رأسهم الإمام مسلم والحاكم (الذي أورد كلامه محتجًّا به) . بخلاف كلامه الذي اشترط فيه طول الصحبة، والذي جاء في غير سياقه الطبيعي= فإنه كلامٌ لا يوافقه عليه أحدٌ، ومذهبٌ غريب لا متابع له فيه. وأَوْلى بالإمام الذي له قولان، أحدهما موافقٌ لجَمْع من الأئمة، والآخرُ مخالفٌ لجميع مذاهب الأئمة، أن يكون أولى المذهبين وأحرى القولين أن يُنْسَبَ إليه= ما كان موافقًا، لا ما كان شاذًّا مستنكرًا.

ثالثًا: أن السمعاني لمّا قال كلامه الذي لم يشترط فيه طول الصحبة، علَّلَ قبول العنعنة بأن للعنعنة معنىً عُرْفيًّا يدل على الاتّصال. وهذا التعليل الذي صدر من السمعاني نفسه لبيان سبب قبول العنعنة، لا يكون لاشتراط طول الصحبة معه أيّ معنى، ولا يُتصَوَّر أن صاحب هذا التعليل يعود إلى اشتراط طول الصحبة، الذي هو شرطٌ يدل على أن القائل به كان غافلاً عن ذلك التعليل كل الغفلة (?) .

رابعاً: أن كلام السمعاني الذي لم يشترط فيه طول الصحبة جاء مُعَلَّلاً، ومستدلاً عليه بكلام الحاكم أحدِ أئمة الحديث، بما تضمّنه كلامه من نقل الإجماع. بخلاف كلامه الذي فيه اشتراط طول الصحبة، فإنه لم يحشد له تلك الأدلّة. والكلام المؤيَّد بالدليل، أولى من الكلام الغُفْل المهمل من الدليل والبرهان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015