عاصره ولم يلقه= فماذا سيكون حُكْمُ من روى عمن عاصره ولم يثبت قط أنه روى عَمّن عاصره ولم يلقه؟!!
وَوَجْهُ ردّ مسلم على خصمه بهذا المثال: هو أن خَصْم مسلم رأى أن شرط انتفاءِ كون الراوي مدلّسًا شرطٌ لا يكفي للقول بالاتّصال، لأن راوية الراوي عمن عاصره ولم يلقه تدليس، وقد وَجَدَ خَصْمُ مسلم أن هذا النوع من الرواية قد وقع من جماعةٍ من الرواة، ولم تُردَّ عنعنةُ بعضهم بالتدليس، فيبقى في رواية هؤلاء احتمال أن يكون الراوي قد روى عمن عاصره ولم يلقه.
فأجابه مسلم بمثال هشام بن عروة، أنه أيضًا قد وقع من جماعةٍ من الرواة أنهم رَوَوْا عمن سمعوا منه ما لم يسمعوه، ولم تُردَّ عنعنتهم بذلك أيضًا. فيلزم الخصم حينها ردّ العنعنة مطلقًا، حتى ممن عُلِم سماعه.
ذلك أن أئمة الحديث لا يردّون عنعنة كل من وقعت منه صورة التدليس، مع أنّهم قد يصفونه تجوُّزًا بأنه مُدَلِّس. إذ المدلِّس حقيقةً من غلبَ التدليسُ على معنعناته، وهذا هو الذي يستحق ردّ العنعنة. أمّا من كان تدليسه قليلاً أو نادرًا فلا تُردُّ عنعنته، وإن وُصف بأنه مدلّس. وأمّا المدلِّس الذي اشتُرِطَ عدمُ وجوده في الإسناد لقبول العنعنة فهو المدلِّس على الحقيقة، وهو مَن غلب عليه التدليس.
ولهذا فسواءٌ أكان الراوي المعنعِنُ ممن قد وقعت منه قليلاً روايةٌ عمّن سمع ما لم يسمعه، أو روايةٌ عمن عاصره ولم يلقه، فلا أثر لذلك في باقي عنعناته، لأن الحكم للغالب، والنادر لاحكم له. ولا يستحق لذلك أن يُوصف بأنه مدلس على الحقيقة، بمعنى أنه مدلِّسٌ مردودُ العنعنة.