مدلِّس. فكذلك لا يجري في رواية الراوي عمن عاصره احتمالُ أن لا يكون سمع منه، لأنه غير مدلِّس أيضًا، لشُمول اسم التدليس (رواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه) و (رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه) . فباشتراط انتفاء التدليس، انتفى الاحتمالان كلاهما.
بل لقد أبلغ مسلم في الحُجّة وأَعْذَرَ في البيان عندما ضربَ لخصمه مثالاً من رواية هشام بن عروة عن أبيه، وهشام بن عروة مشهور السماع من أبيه، بل هو أشهر من روى عن أبيه. فذكر مسلمٌ حديثًا من رواية هشام بن عروة عن أبيه، دلّسه هشامٌ، إذ لم يكن قد سمعه من أبيه، وإنما سمعه من رجل عن أبيه. فيحتجُّ مسلمٌ بهذا الحديث وأمثاله، أنّه مع وقوع مثل ذلك من هشام بن عروة في روايته عن أبيه، إلا أن العلماء لم يتردّدوا في قبول رواية هشام عن أبيه بالعنعنة، بل عُدّت هذه النسخة من أصحّ الأسانيد. ذلك أن وقوعَ ذلك من هشام بن عروة قليلٌ جدًّا، وهو إن كان تدليسًا (بالإجماع: حتى عند الحافظ ابن حجر) ، إلا أنّه لم يستحقّ هشام بن عروة بوقوعه فيه في مَرّاتٍ نادرةٍ أن يكون مردودَ العنعنة، لأنّ الحكم للغالب، والغالب من عنعنات هشام أنها وقعت منه مع السماع والاتّصال.
فإن كان هذا هو حُكمُ من روى عمن سمع منه ما لم يسمعه قليلاً، وأنه لم يستحق بذلك أن يوصف بأنه مدلِّس، بمعنى أنه مردود العنعنة= فكذلك ليكن حكم من روى عمن عاصره ولم يلقه قليلاً، أن لا يوصف بردّ العنعنة بناءً على أنه دلّس.
وإن كان هذا هو حُكْمُ مَنْ دَلَّسَ قليلاً في جنب ما روى، سواء أكان قد دلَّس بروايته عمن سمع منه ما لم يسمعه أو بروايته عمن