أَنه مُجمل قَالُوا لِأَن مَرَاتِب الجموع مُتَفَاوِتَة فَلَيْسَ حمله على بعض مِنْهَا أولى من الآخر فَيكون مُجملا وَأجِيب بِأَنَّهُ وَإِن كَانَ مترددا بَين مراتبها فالترجيح بِحمْلِهِ على مَا هُوَ المتحقق كَاف فِي بَيَان وَجه الْأَوْلَوِيَّة لِلْخُرُوجِ عَن الْإِجْمَال الَّذِي هُوَ خلاف الأَصْل
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قَوْله كَذَلِك التَّحْرِيم للأعيان أَي لَا إِجْمَال فِيمَا أَتَى وَمن التَّحْرِيم الْوَاقِع على الْأَعْيَان نَحْو {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} وَهُوَ قَول الْجُمْهُور كَمَا أَفَادَهُ قَول الأجزل وَالدَّلِيل أَن من استقرأ اللُّغَة علم أَنه لَيْسَ المُرَاد تَحْرِيم الْعين بل التَّحْرِيم على مَا يُنَاسِبه مِمَّا سيق لَهُ الْخطاب كَالْأَكْلِ فِي الْمَأْكُول وَالشرب فِي المشروب واللبس فِي الملبوس وَالْوَطْء فِي الموطؤ فَإِذا قيل {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} أَو الْخِنْزِير أَو الْخمر أَو الْحَرِير حمل على مَا سبق إِلَيْهِ الْفَهم عرفا من الْوَطْء وَنَحْوه مِمَّا يتَبَادَر فِيمَا ذكر وَهَذَا مُرَاد النّظم بقوله يكون للمعتاد أَي يكون التَّحْرِيم للأعيان للمعتاد عرفا وَخَالف فِي ذَلِك الْأَقَل وَقَالُوا بل هُوَ مُجمل إِذْ تَحْرِيم الْعين غير مُتَصَوّر فَلَا بُد من إِضْمَار شَيْء يكون مُتَعَلقا للتَّحْرِيم وَالْأَفْعَال كَثِيرَة فَإِنَّهُ يحْتَمل تَحْرِيم الْأُم الْوَطْء وَالنَّظَر والاستخدام وَفِي تَحْرِيم الْحَرِير البيع واللبس واللمس وَكَذَلِكَ سَائِر مَا ذكره
قَالُوا وَلَا سَبِيل إِلَى إِضْمَار الْجَمِيع لِأَن مَا يقدر للضَّرُورَة يقْتَصر فِيهِ على مايدفعها فَيتَعَيَّن إِضْمَار الْبَعْض وَلَا دَلِيل على تعْيين شَيْء من المقدرات إِذْ لَيْسَ حمله على وَاحِد مِنْهَا أولى من الآخر فَيتَوَقَّف فِي ذَلِك وَهُوَ معنى الْإِجْمَال وَأجِيب بِالْمَنْعِ من عدم تعين إِضْمَار بعض معِين بل مَا سبق إِلَى الأذهان من الْعرف هُوَ المُرَاد هَذَا تَقْرِير الْمَسْأَلَة
وَاعْلَم أَن من الْأُصُولِيِّينَ من يذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي بَاب الْعُمُوم وَهِي الْمُسَمَّاة بِعُمُوم الْمُقْتَضى وَلم يتَقَدَّم ذكرهَا فِي النّظم وَلَا شَرحه فلنشر إِلَيْهَا وَإِلَى الرَّاجِح فِيهَا ونقول تقدم فِي بَاب الْمَنْطُوق أَن الدّلَالَة إِذا توقفت فِي الصدْق أوالصحة على مُقَدّر مَحْذُوف سميت دلَالَة اقْتِضَاء نَحْو {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم}