كَانَت قَطْعِيَّة الْمَتْن فمدلولها ظَنِّي وَالْخَاص هُنَا وَإِن كَانَ مَتنه ظنيا فدلالته قَطْعِيَّة فقد تَعَارضا فِي القطعية والظنية فَكَانَ الْعَمَل بالخاص أرجح للْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ والإعمال خير من الإهمال
وَأَيْضًا فقد أَجمعت الصَّحَابَة على ذَلِك فخصصوا قَوْله تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وخالتها أخرجه الْجَمَاعَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَمن ذَلِك تخصيصهم عمومات آيَات الْمَوَارِيث بالآحادية من الْأَحَادِيث كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ قَرِيبا وَبِالْجُمْلَةِ فَمن عرف السّنَن وقضايا الصَّحَابَة علم وُقُوع ذَلِك مِنْهُم بِلَا تردد وللمخالف أَدِلَّة لَا تنهض على مدعى فَلَا يفْتَقر النَّاظر إِلَى سردها وردهَا بعد بَيَان الرَّاجِح
الثَّالِث تَخْصِيصه بِالْإِجْمَاع وَهُوَ قَول الْجُمْهُور بل قد قيل إِنَّه إِجْمَاع ومثاله تَخْصِيص النِّسَاء وَالْعَبِيد من قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} فَإِن سُقُوط السَّعْي إِلَى الْجُمُعَة عَنْهُمَا ثَابت بِالْإِجْمَاع وَقد نُوقِشَ فِي الْمِثَال وَلكنه لَا يبطل الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ قد تقرر بِأَن الاجماع من الْأَدِلَّة وَالدَّلِيل يجب الْعَمَل بِهِ وَمن الْعَمَل بِهِ تَخْصِيص الْعَام عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَى الْجمع بَين الْأَدِلَّة وإعمالها
الرَّابِع تَخْصِيصه بِالْقِيَاسِ ومثلوه بتنصيف الْحَد على العَبْد قِيَاسا على الْأمة الثَّابِت بقوله تَعَالَى {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} قَالُوا فَالْعَبْد إِذا زنى فَعَلَيهِ نصف الْحَد قِيَاسا على الْأمة مَعَ شُمُول آيَة وَالزَّانِي لَهُ فخصص عُمُوم الْكتاب بِالْقِيَاسِ وَبَقِي مِثَال تَخْصِيصه بِالْعقلِ وَمثل بقوله تَعَالَى {تدمر كل شَيْء بِأَمْر رَبهَا} فَإِن الْعقل خصّه بالسماوات وَالْأَرْض وبالمفهوم يَأْتِي مِثَاله قَوْلنَا ... وَهَكَذَا السّنة فِيمَا ذكرا ... وَخص بالآحاد مَا تواترا ...