وَأما إِنَّه من الْإِثْبَات نفي فَلَا يخالفون فِيهِ إِلَّا أَنه خلاف مَا يظْهر من استدلالهم وَقَالَ الْقَرَافِيّ فِي تَحْرِير مَحل النزاع إِنَّه اتّفق الْعلمَاء أَبُو حنيفَة وَغَيره على أَن إِلَّا للإخراج وَأَن الْمُسْتَثْنى مخرج وَأَن كل شَيْء خرج من نقيضه دخل فِي النقيض الآخر فَهَذِهِ ثَلَاثَة أُمُور مُتَّفق عَلَيْهَا وَبَقِي أَمر رَابِع مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ انا إِذا قُلْنَا قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا فهناك أَمْرَانِ الْقيام وَالْحكم بِهِ فَاخْتَلَفُوا هَل الْمُسْتَثْنى مخرج من الْقيام أَو من الحكم بِهِ فَنحْن نقُول من الْقيام فندخل فِي نقيضه وَهُوَ عدم الْقيَاس وَالْحَنَفِيَّة يَقُولُونَ هُوَ مستنثى من الحكم فَيدْخل فَيخرج عَن نقيضه وَهُوَ عدم الحكم فَيكون غير مَحْكُوم عَلَيْهِ فَأمكن أَن يكون وَأَن لَا يكون فعندنا انْتقل إِلَى عدم الْقيام وَعِنْدهم انْتقل إِلَى عدم الحكم وَعند الْجَمِيع هُوَ مخرج وداخل فِي نقيض مَا أخرج مِنْهُ فَافْهَم ذَلِك حَتَّى يتحرر لَك مَحل النزاع
قَالَ وَالْعرْف فِي الِاسْتِعْمَال شَاهد بِأَنَّهُ إِنَّمَا قصد إِخْرَاجه من الْقيام لَا من الحكم بِهِ وَلَا يفهم أهل الْعرف إِلَّا ذَلِك فَيكون هُوَ اللُّغَة فَإِن الأَصْل عدم النَّقْل والتغيير انْتهى
وَيُرِيد بِأَنَّهُ مخرج من الحكم أَن قَول الْقَائِل قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا مَعْنَاهُ أحكم على الْقَوْم بِالْقيامِ سوى زيد فَلَا أحكم عَلَيْهِ بِنَفْي وَلَا إِثْبَات اسْتدلَّ الْجُمْهُور بِأَنَّهُ قد ثَبت النَّقْل عَن أهل الْعَرَبيَّة أَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات وَمن الْإِثْبَات نفي وَهُوَ الْمُعْتَمد فِي إِثْبَات المدلولات اللُّغَوِيَّة قَالُوا وَأَيْضًا لَو لم يكن كَذَلِك لم تكن كلمة لَا إِلَه إِلَّا الله لإِثْبَات التَّوْحِيد وَاللَّازِم بَاطِل من الضَّرُورَة من الدّين بَيَان ذَلِك أَن التَّوْحِيد إِنَّمَا يتم بِإِثْبَات الإلهية لله تَعَالَى ونفيها عَمَّا سواهُ والمفروض على كَلَامهم أَنه إِنَّمَا يُفِيد النَّفْي دون الْإِثْبَات