الخطابات وَهَذَا فِيمَا إِذا كَانَ حرف الْغَايَة إِلَى وَأما إِذا كَانَ حَتَّى فالجمهور من عُلَمَاء الْعَرَبيَّة على دُخُول مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا وَنسب إِلَى سِيبَوَيْهٍ وَتَبعهُ اكثر الْعلمَاء وَذهب الْأَقَل إِلَى احْتِمَال الدُّخُول عَدمه وَاسْتقر بِهِ الرضي وَقَالَ لَكِن الدُّخُول أَكثر وأغلب وَبِه يعرف أَن كَلَام الْجُمْهُور هُوَ التَّفْرِقَة بَين حَتَّى وَإِلَى وَأَن إِطْلَاق النَّقْل عَنْهُم فِي عدم دُخُول مَا بعد الْغَايَة فِيمَا قبلهَا فِيهِ إِجْمَال لَا يَنْبَغِي ثمَّ هَذَا فِي حَتَّى الجارة لَا فِي العاطفة فَإِن دُخُول مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا اتِّفَاق
وَاعْلَم أَنَّهَا ترد حَتَّى لغير الْغَايَة بل لتأكيد الْعُمُوم نَحْو {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر} لِأَنَّهُ لَيْسَ مطلعه من اللَّيْل حَتَّى يَشْمَلهُ قَوْله سَلام وَلَيْسَ مثله قِرَاءَة الْقُرْآن من فاتحته إِلَى خاتمته لِأَن مَا بعْدهَا دَاخل فِيمَا قبلهَا إِذْ خاتمته آخر سُورَة مِنْهُ وَنَحْوه قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} فَإِن زمَان الطُّهْر غير دَاخل فِي زمن النَّهْي عَن القربان وَالْمَقْصُود أَن الْغَايَة الَّتِي نَحن بصدد بَيَانهَا هِيَ الَّتِي يتقدمها عُمُوم يشملها يَنْوِي بهَا إِخْرَاج بعض مَدْلُول الْعَام هَذَا وَلَو قيل إِن التَّخْصِيص بحتى بِمثل قَوْله تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} إِلَى قَوْله {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة} من بَاب الْإِطْلَاق وَالتَّقْيِيد لَكَانَ لَهُ وَجه أَو هُوَ الْأَوْجه بَيَانه أَن قَوْله {حَتَّى يُعْطوا} تَقْيِيد لِلْقِتَالِ و {إِلَى الْمرَافِق} تَقْيِيد للْغسْل و {إِلَى اللَّيْل} تَقْيِيد للصيام فالتقييد للْأَحْكَام لَا للمحكوم عَلَيْهِ والعموم لَهُ لَا لَهَا هَذَا مَا جنح إِلَيْهِ بعض محققي الْمُتَأَخِّرين وَهُوَ حسن جدا
وَالثَّالِث مِنْهُ الِاسْتِثْنَاء وَالْمرَاد بِهِ هُنَا مَجْمُوع كلمة الِاسْتِثْنَاء وَلَفظ الْمُسْتَثْنى الَّذِي يَقع بِهِ تَخْصِيص الْعَام
وَاعْلَم أَنه اخْتلف فِي تَحْقِيق دلَالَة الِاسْتِثْنَاء لإيهامه التَّنَاقُض فَإِن قَوْلك عِنْدِي لَهُ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة فَيلْزم مِنْهُ إِثْبَات الثَّلَاثَة فِي ضمن الْعشْرَة ونفيها فِي الِاسْتِثْنَاء فَيلْزم التَّنَاقُض وَكَيف وَهُوَ وَاقع فِي كَلَام الله تَعَالَى وَرَسُوله