أَي إِن حكم الضَّمِير إِن عَاد إِلَى بعض إِفْرَاد الْعَام لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيص الْعَام فَالضَّمِير فِي قَوْله إِلَيْهِ عَائِد إِلَى الْبَعْض الَّذِي سبق ذكره فِي الْبَيْت الأول والمثال الْمَشْهُور فِي الْمَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} فَإِنَّهُ عَام للبائنات والرجعيات ثمَّ قَالَ {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} وَهَذَا خَاص بِبَعْض أَفْرَاد الْعَام وَهن الرجعيات فَإِن الأحقية بالرجعة فِيهِنَّ لَا غير فَهُنَا ذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنه لَا مُنَافَاة بَين عُمُوم اللَّفْظ وعود الضَّمِير إِلَى بعض أَفْرَاده كَمَا قَالَ النَّاظِم إِذْ لَا يُنَافِي أَي عود الضَّمِير إِلَى بعض أَفْرَاد الْعَام لَا يُخرجهُ عَن عُمُومه بِكُل أَفْرَاد بذلك وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَنه يخصص بِهِ الْعُمُوم بِمَعْنى أَنه يُرَاد بالمطلقات الرجعيات وَغَيرهم من البائنات لَا يدخلن فِي الْآيَة فَلَا يعرف حكمهن من الْآيَة بل من أَدِلَّة أُخْرَى بت وَلذَلِك قَالَت الْحَنَفِيَّة فِي حَدِيث لَا تَبِيعُوا الْبر بِالْبرِّ إِلَّا كَيْلا بكيل مَعْنَاهُ إِلَّا كَيْلا مِنْهُ بكيل مِنْهُ قَالُوا وَالضَّمِير مَحْذُوف عَائِد إِلَى الْبر الَّذِي يُكَال لَا إِلَى جَمِيع الْبر فَيجوز بيع حفْنَة بحفنتين عِنْدهم لِأَن ذَلِك غير مَكِيل فَيكون الْعَام وَهُوَ الْبر مُخَصّصا بالضمير
قلت وَالتَّحْقِيق أَنه لَيْسَ هُنَا تَخْصِيص وَهُوَ إِخْرَاج مَا دخل بل أُرِيد بِالْعَام ابْتِدَاء بعض أَفْرَاده فَأُرِيد بالمطقات الرجعيات فَقَط فَهُوَ من الْعَام الَّذِي أُرِيد بِهِ الْخُصُوص لَا من الْعَام الْمَخْصُوص وَاخْتَارَ بعض الْمُحَقِّقين كَلَام الْجُمْهُور قَائِلا بِأَن الضَّمِير قد وضع لربط معنى مُتَأَخّر بِمَعْنى مُتَقَدم للدلالة على أَن الْمَعْنى الآخر هُوَ الْمُتَقَدّم سَوَاء كَانَ مَذْكُورا بِلَفْظِهِ أَو دلّت عَلَيْهِ قرينَة كَمَا قَالَ النُّحَاة تقدم ذكره لفظا أَو معنى أَو حكما فَلَا يَأْتِي الضَّمِير مُخَالفا لما قبله بِحَسب وَضعه وَهُوَ أغلب استعمالاته وَقد يخرج عَنهُ بالقرائن إِلَى معنى مجازي مِنْهُ بِأَن يُرَاد بِهِ بعض مَا تقدم كالآية فَإِن ضمير بعولتهن أُرِيد بِهِ بعض مَا شَمله المطلقات بِلَفْظِهِ ظَاهرا وَخُرُوج الضَّمِير عَن أَصله وَضعه للقرينة