مَا يصدق عَلَيْهِ مَاهِيَّة السّفر فَلَو وَقع فِي الْخَارِج أَي فَرد من ذَلِك كَانَ مُخَالفا لمقتضاه نَهْيه وَلَا يخفى أَنه من الدّلَالَة الالتزامية وَهِي عقلية عِنْد الْجُمْهُور وَلذَا قُلْنَا مقتضيا وَلم نقل دَالا من الدّلَالَة اللفظية وَمن جعله مِنْهَا عبر بدالا
فَإِن قيل النَّهْي الْمُطلق يعم الْأَزْمَان والاحوال جَمِيعًا فَلَا يُفِيد الدَّوَام إِذْ الِامْتِنَاع فِي الْجُمْلَة يُحَقّق الِامْتِثَال بصدقه بِأَنَّهُ قد امْتنع عَنهُ وَأما دوَام الِامْتِنَاع فَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ لَو قيد بالدوام قُلْنَا صِيغَة لَا تُسَافِر فِي قُوَّة لَا تُوجد سفرا فَهُوَ فِي معنى النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تفِيد الْعُمُوم كَمَا يَأْتِي
وَقد اسْتدلَّ ابْن الْحَاجِب وَمن تبعه بِالْإِجْمَاع فَإِنَّهُ لَا يزَال الْعلمَاء يستدلون بِالنَّهْي على التّرْك مَعَ اخْتِلَاف الْأَوْقَات لَا يخصونه بِلَفْظ دون لفظ وشاع بَينهم وذاع وَلم يُنكر فَكَانَ إِجْمَاعًا وَلَوْلَا أَنه يَقْتَضِي الدَّوَام لما صَحَّ ذَلِك
وَاعْلَم أَن هَذَا مُخْتَار الْجُمْهُور للدليل الَّذِي عَرفته وَذهب الْأَقَل إِلَى أَن النَّهْي لَا يَقْتَضِي الدَّوَام إِلَّا بِقَرِينَة ثمَّ اخْتلفُوا أَيْضا فَقيل إِنَّه كالأمر فِي اقْتِضَاء الْمرة وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ قد يُرَاد بِهِ التّكْرَار نَحْو {وَلَا تقربُوا الزِّنَى} وَقد يُرَاد بِهِ الْمرة كَمَا يَقُول الطَّبِيب لمريض شرب الدَّوَاء لَا تشرب المَاء وَلَا تَأْكُل اللَّحْم أَي فِي هَذِه السَّاعَة قَالُوا وَالْأَصْل فِي الِاسْتِعْمَال الْحَقِيقَة فَيكون النَّهْي حَقِيقَة فِي الْقدر الْمُشْتَرك ورد بِأَن مَا ذكرْتُمْ من الْمِثَال إِنَّمَا اقْتضى عدم التّكْرَار وجود الْقَرِينَة فَهُوَ مجَاز وَمَعَ ظُهُور الْقَرِينَة يتَعَيَّن الْحمل عَلَيْهِ وَإِلَّا لامتنع وجود الْمجَاز وَاسْتدلَّ الْجلَال فِي شرح الْفُصُول لِلْقَوْلِ الْمَرْجُوح بِأَن النَّهْي لدفع الْمفْسدَة فِي الْفِعْل والمفاسد كالمصالح تخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمَان وَالْأَحْوَال والأشخاص وَإِلَّا لما جَازَ نسخ المناهي وَلَا تَبْدِيل الشَّرَائِع وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُدعى أَنه يَقْتَضِي الدَّوَام الْبَتَّةَ حَتَّى