فمما لِلْعَقْلِ حكم غير مَا ذَكرْنَاهُ من إِدْرَاكه الوصفين فَهَذَا الْبَيْت لَا يُفِيد إِلَّا أَن حكم الْمُبَاح شرعا وعقلا وَاحِد من أَنه لما انْتَفَى حكم الشَّرْع بِالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيم وَالنَّدْب وَالْكَرَاهَة بَقِي حكم الْعقل فِيهِ بعد الشَّرْع كَمَا كَانَ قبله فِي الحكم أَنه لَا حكم لَهُ فِيهِ بِحسن وَلَا قبح

وأوردنا بالحكم فِي قَوْلنَا فِي الحكم انْتِفَاء الحكم بِمَا فِيهِ مصلحَة فعلا فَيشْمَل الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب أَو عُقُوبَة أَو مصلحَة تركا فَيشْمَل الْحَرَام وَالْمكْره لِأَنَّهُ الحكم الشَّرْعِيّ الَّذِي أبانه الشَّرْع وفصله وَأما الْإِبَاحَة فالشرع لم يحكم فِيهَا بِشَيْء بل يقابلها على حكم الْعقل بِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا حكم وَإِن عدهَا الأصوليون أحد الْأَحْكَام فَإِنَّمَا هُوَ لحصر الْأَقْسَام فَلِذَا قُلْنَا فِي بَيَان ذَلِك ... فَكلما ينفع من غير ضَرَر ... فَهُوَ مُبَاح الحكم عقلا فِي النّظر ...

بِمَعْنى أَن الشَّرْع سكت عَمَّا ينفع الْبشر من غير إِضْرَار فَلم يحكم عَلَيْهِ بِأحد الْأَحْكَام الَّتِي فِيهَا مصلحَة أَو مفْسدَة فعلا أَو تركا بل تَركه مسكوتا عَنهُ فالعقل يقْضِي أَنه بَاقٍ على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل وُرُوده وَقد كَانَ قبل وُرُوده لَا يَتَّصِف فَاعله بِحسن وَلَا كَمَال وَلَا تَاركه بِنَقص وَلَا قبح كَمَا مثلناه فَهُوَ مُبَاح سَابِقًا ولاحقا وَمَا لَا فقد عرفناك أَن الْعقل لَا حكم لَهُ بِإِيجَاب وَلَا تَحْرِيم وَلَا غَيرهمَا إِنَّمَا يحكم بِأَن فَاعل الْحسن يسْتَحق الْمَدْح من الْعباد وفاعل الْقَبِيح عَكسه يسْتَحق عَكسه مِنْهُم وَلَيْسَ المُرَاد أَنه يسْتَحق أَن يكون حَقًا عَلَيْهِم وَاجِبا يأثمون بِتَرْكِهِ فَإِن التأثيم لَازم للْوَاجِب الشَّرْعِيّ وَالْفَرْض أَنه لَا شرع وَأَنه لَا يعرف إِلَّا من الشَّرْع بل معنى اسْتِحْقَاقه أَن الْعباد بعقولهم يرَوْنَ مدح من اتّصف بالكمال وَالْحسن بِمُقْتَضى الْعقل وَعَكسه فِي عَكسه وَلَيْسَ هُنَا حكم من الْعقل كالأحكام الْخَمْسَة الشَّرْعِيَّة بل حكمه هُوَ إِدْرَاكه لما ذكر لمن اتّصف بِأحد الصفتين وَلَكِن سرى التَّخْلِيط إِلَى المثبتين فَقَالُوا الْعقل حَاكم كالشرع وَقَالُوا فِي الظُّلم محرم عقال وَهُوَ غلط أَو تَعْبِير باللازم عَن ملزومه شرعا فَإِن الظُّلم قَبِيح عقلا وَصفَة نقص لَكِن التَّحْرِيم بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيّ وَهُوَ أَنه يسْتَحق فَاعله الذَّم والعقوبة أَي من الله وتاركه الْمَدْح والمثوبة أَي مِنْهُ تَعَالَى لَا يعرف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015