مِمَّن أَخذ تَحْرِير الْبَحْث من مُخْتَصر الْمُنْتَهى وَنَحْوه وَلم يرجِعوا كَلَام قدماء المثبتين وينظوا كتب الماضين مِنْهُم من الْمُحَقِّقين فخبطوا خبط عشواء لما صدقُوا خصومهم فِي الدَّعْوَى حَتَّى نبه الله بعض المنصفين الْمُحَقِّقين من الْمُتَأَخِّرين فحرر مَحل النزاع وَإِن المثبتين لَا يدْخلُونَ الْمَدْح عَاجلا والإثابة آجلا فِي مَحل النزاع وَكتب الْمُتَقَدِّمين مِنْهُم منادية بِهَذَا نِدَاء يمْلَأ الأسماع قلت فراجعنا كتب الْمُتَقَدِّمين من المثبتين فَإِذا هِيَ كَمَا قَالَه ذَلِك المُصَنّف من الْمُحَقِّقين فَقُلْنَا نصوصهم فِي حَوَاشِي شرح الْغَايَة الْمُسَمَّاة بالدراية وَذكرنَا فِيهِ

أَن التَّحْقِيق أَنه لَا خلاف بَين الْفَرِيقَيْنِ وَلَا شقَاق وَلَكِن عدم الْإِنْصَاف أَقَامَ الْحَرْب على سَاق وتحقيقه أَن النافين أثبتوا إِدْرَاك الْعقل لصفة الْكَمَال وَصفَة النَّقْص وَمن الْمَعْلُوم أَن معنى كَونهَا صفة كَمَال أَنه يمدح من اتّصف بهَا وَكَونهَا صفة نقص أَنه يذم من اتّصف بهَا وَالْمرَاد مدحه وذمه من الْعباد إِذْ الْغَرَض أَن هَذَا قبل وُرُود الشَّرَائِع وَهَذَا هُوَ عين مَا قَالَه من أثبت التحسين والتقبيح الْعقلِيّ فَإِنَّهُ قَالَ الْحسن مَا يسْتَحق من اتّصف بِهِ الْمَدْح وَيسْتَحق من اتّصف بالقبح والذم وَغَايَة الْخلاف أَن الْمُثبت قَالَ حسن وقبيح والنافي قَالَ صفة كَمَال وَصفَة نقص وَهَذَا أَي الْمَدْح والذم يَصح تَسْمِيَته إثابة عَاجلا لِأَنَّهُ مُكَافَأَة للمحسن وللمسيء على إساءته فَإِن أهل الْجَاهِلِيَّة مَا كَانُوا يقصدون إِلَّا الثَّنَاء من الْعباد بِمَا يَفْعَلُونَهُ من المكارم وَلذَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لابنَة حَاتِم لما قَالَت إِن أَبَاهَا كَانَ يطعم الطَّعَام إِن أَبَاك رام أمرا فأدركه وَهُوَ الْمَدْح على أَن المثبتين لم يصرحوا فِي كتبهمْ بِالْإِثَابَةِ عَاجلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015