قَالَ الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ في الفتح: "فِي رواية أحمد (?) عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اللَّيْثِ بِسَنَدِهِ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بِمَكَّةَ قَوْلُهُ وَهُوَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِيهِ بَيَانُ تَارِيخِ ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ وَقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَعَادَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ هَكَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ وَكَانَ الأَصْلُ حَرَّمَا".
قلت: اسْتَخْدَمَ الحافظُ تَارِيخ هَذَا النَّص لِبَيانِ أنَّ هذه الأشياء المذكورة في الحديث كانت مُحْرَمةً قبل فتح مَكَّةَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، ثم قال: "وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ وَقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَعَادَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ "؛ فأفاد بذلك كَون أَنَّ دَلالة هذا النَّص للتذكير بالتحريم وليس لبداية تحريم ذلك سَنَة ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وبرهان ذلك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (?)
قال الشَّوكاني في فتح القدير: "قَالَ فِي الْكَشَّافِ: أُكِّدَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وُجُوهًا مِنَ التَّاكِيدِ، مِنْهَا: تَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِإِنَّمَا، وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَرْنَهُمَا بِعِبَادَةِ الأصنام ومنه قوله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ الْوَثَنِ» وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا رِجْسًا، كَمَا قَالَ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ} (?)، وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ لا يَاتِي مِنْهُ إِلا الشَّرُّ الْبَحْتُ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَمْرٌ بِالاجْتِنَابِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَ الاجْتِنَابَ مِنَ الْفَلاحِ، وَإِذَا كَانَ الاجْتِنَابُ فَلاحًا كَانَ الارْتِكَابُ خَيْبَةً