تُعْتَبر الدَّلالةُ من أهم محاور توجيه المعاني في الحديث النَّبوي، قال ابْن السكّيت عَن الفرّاء: "دَليلٌ من الدِّلالة والدَّلالة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح" (?)، وهو مَا يُمكن أَن يُسْتَدلّ بِهِ عَنْ قصد قَائِله أو فَاعِله، والأثر الدِّلالي لِتَاريخ النَّص الحديثي كان لَهُ دَورٌ فَعَّالٌ في توجيه الدَّلالة عند شُرَّاح الحديث، ومِن الْمَعُلوم قطعًا أنَّه ليس لَدَينَا تَاريِخًا مُحددًا لجميع ما أُسْنِدَ من رِوَايَاتٍ وأَحْدَاثٍ؛ ومَعَ ذلك فإنَّهُ من المؤكد أَنَّها قد وَقَعَتْ فِي زَمَنٍ محددٍ وكانت لها مُلابَسَاتٍ وقرائنَ تَدُلُّ على وقوعها في هذا الزَّمن، فالجهل بالشِّيء لا يُوجِبُ عَدمه، وهذا مبدأ ينسحبُ على كل الظواهر الكونية؛ لِذَا كَانَ الظّفَرُ بمعرفة تَارِيخ النُّصُوصِ الحديثية مِنْ أَجَلِ المهمات الْمُلقَاة على كاهل أهل الحديث؛ لِمَا لَهُ من قوة الحجة في دلالة النَّص، ومعرفة مقصوده الشَّرعي، وفي هذا المبحث نُحَاول بيان أثر تاريخ النَّص في توجيه الدَّلالة.
المثال الأول: ما أَخْرَجَهُ البُخَاريّ فِي صَحِيحِهِ، من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لاَ، هُوَ حَرَامٌ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» ". (?)