فكانت دراسة ومعرفة أثر تاريخ النَّص في توجيه المعاني عند شُرَّاح الحديث النَّبوي، الجَدِيدُ في مَقْطعِهِ ونهايتِهِ، القَديمُ في مَشْرَبِهِ وأَصَالتِهِ، من أجلِّ المهمات في علم دراية الحديث، ولمن لا يكتفي بالخبر عن المعاينة، إذ ليس كُلُّ من رام معاني نصوص الحديث وجدها، فقد حَيَّرت عقول الأفذاذ من علماء هذه الأمة، فإذا عُلِمَ ذلك ظهرت قيمة التَّاريخ للنصوص الحديثية، فهي بمثابة الحَدَقِ للعُيون لمن أراد التَّحقيق ومعرفة المعاني والتَّرجيح بينها، وليأخذ منها المتأمل في معاني الحديث النَّبوي الأحكام على بصيرةٍ وبينة، ويذر ما يذر على بصيرةٍ وبينةٍ.
ولاشك أنَّ موجهات وأدوات معرفة المعاني عند شُرَّاح الحديث كثيرة، فمنها ما يختص باللغة والسِّياق، ومنها ما يختص بأسباب ورود الحديث، ومنها ما يختص بتاريخ الحدث أو النص، وغير ذلك كثير فليس المقام حصر تلك الأنواع؛ وإنَّما لبيان أنَّ أداة تاريخ الحدث أو النَّص تندرج تحت تلك الأدوات، وكثيرًا ما تَذْكُرُ لنا كُتب التَّاريخ والتراجم وشُرَّاح الحديث أزمنةً ويستدلون بها، بعضها يبدو واضحًا وصريحًا، والبعض الآخر عميق الغوص طويل الذَّيل، وبإمعان النظر في كتبهم يجد الباحث الكثير من هذه العلوم والأدوات، وأنهم في ثنايا كتبهم قد استخدموا دلالة تاريخ حدوث هذه النصوص في التَّرجيح بين المعاني في الألفاظ التي قد تكون مشتركة، أو تحتمل أكثر من معنى، وغير ذلك من أوجه التَّرجيح ومعرفة المعاني والاستنباط، مما سنُبَيِّنُهُ إن شاء الله في هذه الدِّراسة، وفيها أيضا نحاول إلقاء الضوء على تلك العلوم والأدوات وذكر الأمثلة التطبيقية عليها من مصنفات شُرَّاح الحديث النَّبوي.