الْحَدِيثَ، قَالَ هَذَا كَلامٌ عَرَبِيٌّ مُحْتَمِلُ الْمَعَانِي، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلامِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَمُشْرِكِينَ فَالْمُؤْمِنُ يَقُولُ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَذَلِكَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ لأَنَّهُ لا يُمْطِرُ وَلا يُعْطِي وَلا يَمْنَعُ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا النَّوْءُ لأَنَّ النَّوْءَ مَخْلُوقٌ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَلا لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا هُوَ وَقْتٌ، وَمَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا يُرِيدُ فِي وَقْتِ كَذَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ مُطِرْنَا فِي شَهْرِ كَذَا وَهَذَا لا يَكُونُ كُفْرًا، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ كَانُوا يُضِيفُونَ الْمَطَرَ إِلَى النَّوْءِ أَنَّهُ أَمْطَرَهُ فَهَذَا كُفْرٌ يُخْرِجُ مِنْ مِلَّةِ الإِسْلامِ". (?)
قلت: المتأمل في قول الإمام الشَّافِعِيّ رحمه الله يجد أنَّه قد استخدم تاريخ النَّص القولي للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي حَدَثَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ بشهر ذِي الْقِعْدَةِ سنة سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ (?)، وعلى ضوء ذلك فَسَّرَ قوله - صلى الله عليه وسلم - تفسيرًا صحيحًا؛ واستنبط أنَّه: "مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا يُرِيدُ فِي وَقْتِ كَذَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ مُطِرْنَا فِي شَهْرِ كَذَا وَهَذَا لا يَكُونُ كُفْرًا"، مما يثبت قيمة تاريخ النَّص وأثره في فهم الحديث على الوجه الصَّحيح وسَلامة الاستنباط، وهذا مما يبرهن أنَّ علم تاريخ النَّص النبوي ربما ساهم في رفع الفتن عن الأمة الإسلامية في هذا العصر برفع الجهل عنها، والحكم على الأحداث ببصيرةٍ العلم وليس بمجرد التخرص والتأويل الفاسد.