79 - ولقد كان من سابق قضاء الله الذي لا مرد له: أن راجت تعاليم أولئك الأعاجم وشيعتهم من اليهود على كثير من العامة، ونفق سوقها في البيئات التي لم يتمكن من قلبها نور الإسلام وهدايته. فكان من آثارها توهين العقيد الإسلامية، التي أساسها إخلاص العبادة لله، التي يقول الله فيها {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]
80 - كانت نجد في ذلك الحين مباءة للأوثان والطواغيت التي لا يحصيها العد، كغيرها من الأمصار الإسلامية- وكان للقلوب تعلق شديد بهذه الطواغيت؛ لطول الأمد عليها، إذ نشأ فيها الصغير، وشاب فيها الكبير، وتلقاها الخالفون عن السالفين من آبائهم، وأخذوها بالوراثة التي امتزجت بنفوسهم في جميع أدوار حياتهم. وليس في الناس من يقوم بالإنكار على هذه المبتدعات، ولا من يرد الناس عنها إلى الدين الصحيح، إما لتعلق بها وحرص عليها، لأنها مورد رزق، وسبيل رياسة، وذلك شأن متصوفة الزمن، وسدنة المقابر، والموظفين في خدمتها وترويج عبادتها، وهؤلاء أضر خلق الله على الناس.
81 - وإما لجهل بحقيقة الإسلام، وما بعث به الرسول عليه والصلاة والسلام، وتعوضهم عن ذلك بما حفظوا أو قرؤوا من بعض الكتب المحشوة بما يزيد هذه البلايا رواجا. والرؤساء والأمراء لا هَمَّ لهم إلا جمع الدنيا وتحصيل لذاتها ومتاعها من كل طريق وبكل وسيلة. فكان المسلم