من المسائل التي يرجع الخلاف فيها ضمن مفهوم المخالفة مسألة في كتاب البيوع وهي: النخلة إذا أبرت ثم بيعت، فلمن يكون ثمرها؟ معلوم: أن النخيل جنسين ذكر وأنثى، فالذكور لا تثمر، ومهمتها إخراج الطلع الذي يؤخذ ثم يشق متاع الأنثى ويوضع فيه الطلع فيحدث اللقاح، وهو ما يسمى بـ: التأبير، ومن ثم تثمر الأنثى ولا تثمر إلا بذاك، فلو أن شخصاً يمتلك نخلاً ثم أبره وبعد ذلك بدا له أن يبيعه، فجاء مشتر ليشتري هذا الحائط، الذي فيه النخيل، فهل الثمر الذي تعب فيه البائع يكون له بعد الشراء أم يكون للمشتري؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين، ومدار الخلاف أيضا على مفهوم المخالفة، فمن قال بحجية مفهوم المخالفة وهم الجمهور يقولون: الثمرة للبائع إذا أبرت فإن لم تأبر فهي للمشتري، ومن لم يقل بحجية مفهوم المخالفة وهم الأحناف فيقولون: نتفق مع الجمهور في أنها بعدما أبرت تكون للبائع، ونخالفهم في أنها قبل أن تأبر فهي للبائع أيضاً.
علم أن الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يقولون: الثمرة تكون للبائع وليست للمشتري، فينبغي أن يتفق البائع مع المشتري عند الجزاء، فيقول البائع للمشتري: عندما تثمر هذه النخلة فهي لي وليست لك، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: قد أبرت، فهذا وصف للنخل، أم نقول: لا مفهوم؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع) ووجه الدلالة من الحديث: أن مفهوم المخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع): أنها إذا بيعت ولم تؤبر فهي للمشتري، وليس للمشتري أن يستصحب الحكم فيحلق الحكم قبل التأبير بالحكم بعد التأبير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فصل في النزاع وقال: قد أبرت، فمفهوم المخالفة: إن لم تكن قد أبرت فإنها للمشتري.
معلوم أن الأحناف يقولون: الثمرة ليست للمشتري قبل التأبير، بل هي أيضا للبائع، ودليلهم: عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من باع أرضا أو حائطا فثمرتها للبائع) ووجه الدلالة للأحناف: أنه لم يقيد بالتأبير هنا، فهو على الإطلاق، ينبغي للمطلق أن على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده.
القول الراجح: هو قول الجمهور؛ لأن المقيد هو مفهوم المخالفة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد أبرت، بمعنى أنها إن لم تؤبر فثمرتها للمشتري؛ تخصيصا لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: فثمرتها للبائع، إن صح الحديث.