رجل زنى بامرأة وله ابن صالح، فتابت هذه المرأة توبة نصوحاً وظهر عليها الصلاح، فهل للولد أن يتزوجها أم لا؟ هذه مسألة خلافية، والخلاف فيها يرجع إلى تفسير النكاح في قوله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء:22] أي: ولا تطئوا ما وطئ آباؤكم بعقد صحيح.
إذاً: الخلاف في تفسير النكاح هل هو الوطء ولو عن طريق الزنا أو هو الوطء بعقد صحيح وبنكاح صحيح؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: قول الأحناف والحنابلة: أن المقصود بالنكاح هنا الوطء سواء كان بنكاح صحيح أو لا؛ لأن النظر في ذلك إلى ماء الرجل الذي قد دخل في فرج هذه المرأة، فلا يدخل عليه ماء ابنه.
القول الثاني: قول الشافعية، فقد نظروا في قول الله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء:22] فقالوا: نكح أي: وطئ بعقد صحيح، وهذا هو الظاهر، وقالوا: إن الحرام لا يحرم حلالاً.
فالشافعية والمالكية يرون أنه لو زنى رجل بامرأة فإنه يجوز لابنه أن يتزوج هذه المرأة إن تابت توبة نصوحاً، واستدلوا على ذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الحرام لا يحرم حلالاً)، وهذا الحديث موضوع لا يصح حجة في الأمر.
فالمعترك هنا من النظر، قالوا: أما من النظر -وهذا الكلام الذي يقصم ظهور من يخالف- قالوا: إن الله أناط حكم التحريم بالنكاح الذي هو من الحلال، والحرام لا يمكن أن يحرم حلالاً، للفارق بين الحرام وبين الحلال؛ لأن الأحناف والحنابلة يرون أنه يقاس الحرام على الحلال، قال الشافعية: هذا القياس باطل غير صحيح؛ لأن القياس هنا قياس مع الفارق.
ما هو الفارق بين الحرام والحلال؟ قالوا: الفارق الأول: أن النكاح الصحيح يكون فيه التوقير والتعظيم، فلو أن رجلاً عقد على امرأة فإنها تصبح للابن أماً، يدخل عليها ويقبل يدها ويدعو لها وله أن يسافر بها؛ لأنه محرم لها، وأما الثانية التي زنى بها الوالد فلها الإهانة والاحتقار، والمحرمية لا تنتشر بينها وبين ولد من زنى بها، فهذه الفوارق تمنع من القياس، ولذلك العلماء يقولون: إن هذا القياس قياس مع الفارق، أي: أن الأصل لا يساوي الفرع، والعلة غير متساوية.
إذاً: فالصحيح الراجح أن الحرام لا يحرم حلالاً؛ إذ الحلال معه التوقير والتعظيم، ومعه المحرمية، أما الحرام فلا تنتشر به المحرمية ولا يكون فيه توقير ولا تعظيم.