ومن أمثلة ذلك: الهبة والعطية، فمعلوم أنه يجب على كل رجل أن يقسم بين أولاده العطاء بالسوية، كما جاء في الحديث: (سووا بين أولادكم في العطية)، وفي البخاري ومسلم من حديث النعمان: (أن والده أعطاه عطية فقالت امرأته: لا، حتى تشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَشْهِدْ على هذا غيري فإني لا أشهد على جور).
انظروا إلى اختلاف مشارب العلماء وإلى الخلاف بين العلماء، فالشافعية يرون أنه لو أعطى الرجل ولداً دون أن يعطي الآخر وأشهد على ذلك أي أحد جاز ذلك العقد، ويمتلك الولد هذه الهبة أو هذه العطية، لكن الجمهور يرون أن هذه العطية تكون باطلة، ولا يصح أن يأخذها الولد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أشهد على هذا غيري)، فالجمهور قالوا في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أشهد على هذا غيري): هذا زجر وليست إحالة، يعني لا أوافق على هذا العقد، فأشهد على ذلك غيري، فهو من باب الزجر، أما الإمام الشافعي فإنه فهم من هذا الحديث: (أشهد على هذا غيري)، أن المعظم والمقدم أو العالم الذي له وجاهة لا يفعل ذلك، لكن آحاد الناس لهم أن يفعلوا هذا؛ لأنه خلاف الأولى أو خلاف المروءات، ففهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أشهد على هذا غيري) أنه لو شهد أبا بكر أو شهد عمر أو شهد عثمان صح العقد وصحت العطية.
وهذا عندنا فهم خاطئ، لكن نقول: ظهر الخلاف بين الشافعية وبين جمهور أهل العلم بسبب اختلاف الفهم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أشهد على هذا غيري)، أما الذي يدلك على أن فهم الجمهور هو الصحيح دون فهم الشافعية أنه في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإني لا أشهد على جور)، فسماه جوراً والجور معناه الباطل.
إذاً: هذه العطية باطلة بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم.