ومن الأمثلة أيضاً: أنها حدثت خلافات بين فقهاء الصحابة -بسبب عدم الاطلاع- في الربا، فـ ابن عباس وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد والزبير بن العوام يجعلون الربا في النسيئة فقط، ويقولون: إنه لا ربا إلا في النسيئة، ويحدثون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ربا إلا في النسيئة)، واختلف معهم جماهير الصحابة على أن الربا عام: ربا نسيئة وربا فضل، وكان سبب الخلاف أنهم ما عرفوا بحديث عمر بن الخطاب ولا حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء) وقال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، ولا تشفوا بعضه على بعض) يعني: لا تزيدوا بعضه على بعض، ولا بد من التقابض في المجلس، فكان ابن عباس يفتي إلى آخر عمره أنه (لا ربا إلا في النسيئة)، أي أنه يجوز أن يعطي الدينار بدينارين، ويعطي الدينار بعشرة، ولكن لابد من التقابض في المجلس؛ لأن عنده النسيئة -وهو التأخير- هو المحرم، فطالما أنه كان التقابض في المجلس فيجوز أن تفعل ذلك بزيادة كيفما شئت، فقال له أبو سعيد الخدري: اتق الله، أما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، سواء بسواء!) وروى ابن عبد البر: أن ابن عباس قد رجع عن قوله، ورجع أسامة.
لكن الصحيح أن الذي رجع أسامة وزيد والزبير وابن مسعود، لكن ابن عباس اختلفت الروايات اختلافاً شديداً هل رجع أم لم يرجع، ولذلك يقول ابن عبد البر في التمهيد سواء رجع ابن عباس أو لم يرجع فالحجة ليست في ابن عباس ولكن الحجة في السنة، وإذا لم يرد شيء عن رسول الله فنرجع إلى الصحابة، لكن الصحابة إذا قالوا خلاف قول النبي وجب الأخذ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.