هل مطلق النهي يقتضي الفساد أم لا؟ الراجح أن هناك تفصيلاً: فيوجد نهي عن ذات المنهي عنه، ونهي عن وصف ملازم لذات المنهي عنه، ونهي عن أمر خارجي غير ملازم له.
وبالمثال يتضح المقال.
الأول: النهي عن ذات الشيء كالزنا والخمر والخنزير، فنقول: عقد الزنا عقد باطل، فإذا تعاقد رجل سافل مع امرأة عاهرة سافلة مثله على الزنا والعياذ بالله فهذا العقد باطل، ومعنى باطل أنه لا يترتب عليه آثاره، فالزانية لا تملك الثمن بعدما زنى بها وأعطاها المال، فإن تابت فلا بد أن تخرج هذا المال.
وهل ترده عليه؟ الصحيح أنها لا ترده عليه.
وهكذا العقد على بيع الخمر أو حملها أو الإجارة عليها، كل هذه العقود باطلة، ولا يترتب عليها أثرها؛ لأن النهي هنا عائد على ذات الشيء.
الثاني: النهي عن الوصف الملازم للذات، أي فالذات ليست محرمة، كالذهب فهو ليس محرماً في ذاته، لكن الحرام هو بيع الذهب لرجل يريد أن يلبسه، فهذا البيع حرام، ولا يترتب عليه آثاره.
وأيضاً كبيع الذهب بالذهب مع الزيادة، فالذهب بالذهب ليس بحرام، والحرام هو في وصف ملازم للذات وهو الزيادة، فهذا الوصف الملازم للذات يحرم من أجله بيع الذهب بالذهب، فهذا البيع لا يترتب عليه آثاره، ويبطل العقد.
الثالث: النهي عن أمر خارجي ليس وصفاً ملازماً للذات، ولا هو نهي عن ذات الشيء، كالصلاة في ثوب الحرير، فإذا صلى المرء في ثوب حرير، فهل تبطل الصلاة أم لا؟ فالثوب الحرير ليس شرطاً ولا ركناً في الصلاة، فهو وصف خارجي، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير سواء في الصلاة أو خارج الصلاة، فهو غير مؤثر في الصلاة، فلو لبس الحرير في غير أوقات الصلاة ولم يصل به فهو آثم، ولو لبسه وصلى به فهو آثم.
إذاً الإثم على اللبس ولا علاقة للصلاة بذلك، فالصلاة تصح ويأثم بلبس الحرير.
فالقاعدة إذاً: مطلق النهي يقتضي البطلان والفساد إن كان النهي عن ذات المنهي عليه، كشرب الخمر أو التعاقد على بيع الخمر أو الإجارة على الزنا.
وإن كان النهي عن وصف ملازم لذات الشيء المنهي عنه، كأن يكون شرطاً فيه أو يكون ركناً من أركانه، فهذا أيضاً تبطل به العبادة وإن كان عقداً لا يترتب عليه آثاره.
وإن كان النهي عن وصف خارج، فهذا الوصف الخارج لا يقتضي البطلان؛ لكن نقول: يأثم صاحبه ولا تبطل به العبادة، وأيضاً لا يبطل العقد؛ والأمثلة على ذلك كثيرة منها الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، فالراجح خلاف مذهب الحنابلة، فأكثر الحنابلة يرون البطلان، وابن حزم يوافقهم على ذلك.
فالصلاة في المسجد الذي فيه قبر عند الجمهور صحيحة، ويأثم صاحبها عند البعض، وعند البعض لا يأثم؛ لأنه يجعل الصلاة مكروهة في المسجد الذي فيه قبر، والصحيح الراجح الذي لا محيد عنه أنه يأثم المصلي بذلك والصلاة تكون صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد).
وقلنا بذلك لأن وجود القبر ليس شرطاً من شروط الصلاة وليس ركناً من أركان الصلاة، فيكون هذا النهي عن أمر خارجي، فنقول: لا تبطل الصلاة بهذا، ويأثم المصلي في ذلك المكان.